أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم.
بسم الله الرحمن الرحيم.
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: فأهلاً ومرحباً بكم في هذا اللقاء الطيب المبارك، وأسأل الله عز وجل أن يجعل هذا اللقاء في ميزان حسناتنا أجمعين.
اليوم نبدأ الحديث عن العهد المدني في السيرة النبوية، قبل هذا تكلمنا عن العهد المكي، والكثير الكثير من الأحداث الهامة جداً في العهد المكي للأسف أغفلت؛ لكثرة الأحداث وصعوبة الإلمام بكل ما تم في حياته صلى الله عليه وسلم من دروس وعبر وعظات وأحكام وتشريعات، إذا كنا نقول ذلك الكلام عن فترة مكة فالحديث عن فترة المدينة أصعب بشكل لافت للنظر؛ لأن أحداث المدينة المنورة كثيرة جداً ومتشعّبة: غزوات، وسرايا، ومعاهدات، ولقاءات ومعاملات، وحياة زوجية للرسول صلى الله عليه وسلم، وحياة مع الصحابة، وحياة مع المنافقين، وحياة مع أعداء الأمة من اليهود ومن المشركين ومن غيرهم، في الحقيقة هناك تنوعات هائلة في السيرة النبوية، ويكاد يكون من المستحيل أن تجمع كل السيرة النبوية في فترة المدينة المنورة في مجموعة واحدة أو مجموعتين أو ثلاث أو أكثر، سنظل نتكلم سنين كثيرة في السيرة النبوية، ومهما تكلم المتكلمون قبل ذلك ستجد جديداً في السيرة النبوية؛ لأن السيرة النبوية كنز لا ينتهي عجائبه، كما تقرأ القرآن الكريم فأنت في كل فترة تأتي بجديد وبإضافة في فقه آية أو في فهم معنى، ويبدع المفسّرون في تفسير بعض الآيات كل سنة، مع أن لنا تقريباً (1400) سنة ونحن نفسر القرآن الكريم، كذلك في السيرة النبوية كلما تقرأ حدثاً قد تطلع منه على جديد، وكتب السيرة التي تُطبع في هذا الوقت بعد (1400) سنة من التدقيق والتحليل والدراسة للسيرة النبوية ما زالت تخرج لنا جديداً.
إذاً: السيرة النبوية إعجاز وترتيب دقيق جداً من رب العالمين سبحانه وتعالى، وضع الله عز وجل فيها كل المتغيرات والأحداث، التي من الممكن أن تحدث في الأرض وإلى يوم القيامة؛ لكي يقيم حجته على البشر في قوله سبحانه وتعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب:21] ففي كل مواقف الحياة تستطيع أن تجد سنة حسنة في رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولهذا في مجموعة المدينة هذه لن نستطيع بأي حال من الأحوال أن نتناول جميع الأمور بالترتيب، سنُغفل بعضها، ونحيل هذه الأمور إلى مجموعات أخرى من المحاضرات والدروس.
على سبيل المثال سنجعل مجموعة نسميها: الرسول صلى الله عليه وسلم وحل مشكلات العالم.
نتناول فيها كيف حل الرسول عليه الصلاة والسلام مشكلة البطالة، ومشكلة الأمية، ومشكلة الزواج المتأخر، ومشكلة الفقر، ومشكلة اللاجئين مشاكل كثيرة جداً مرت بالأمة الإسلامية، حلها الرسول عليه الصلاة والسلام بطريقة علمية عملية واضحة، نستطيع أن نقلدها بمنتهى السهولة لو درسنا السيرة النبوية.
وسوف نجعل أيضاً مجموعة من المحاضرات إن شاء الله نسميها: الرسول صلى الله عليه وسلم وأخطاء المؤمنين.
وسنجمع فيها أخطاء المؤمنين التي وقعوا فيها في فترة المدينة أو في فترة مكة، وهذه الأخطاء في الحقيقة تحتاج منا إلى دراسة متأنية وتحليل لكل خطأ كيف حدث؟ وكيف خرج منه المسلمون؟ وفي الحقيقة تأخذ مساحات كبيرة جداً من الوقت في التحليل والدراسة؛ ولهذا سنحاول أن نخرج هذه الأخطاء قدر المستطاع دون الإخلال بترتيب الأحداث وبفقه المعاني في داخل الفترة النبوية في المدينة المنورة، ونجمع كل هذه الأخطاء في مجموعة: الرسول صلى الله عليه وسلم وأخطاء المؤمنين.
ومن المجموعات مجموعة: بناء الدولة الشاملة في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام البناء الاقتصادي، البناء السياسي، البناء العسكري، البناء القضائي، البناء الرياضي، فالرسول عليه الصلاة والسلام كوَّن دولة شاملة بترتيبات دقيقة جداً وقانون محكم، كل هذا يحتاج إلى تفصيلات لا نستطيع أن نتحدث عنها كلها في هذه المجموعة.
إجمالاً فترة المدينة المنورة بصفة عامة لها سمات تميزها عن فترة مكة المكرمة، ففترة مكة تستطيع أن تقول: إنها فترة بناء الفرد المسلم الصالح المؤمن بربه، والمؤمن برسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، المعتقد بالبعث والحساب يوم القيامة، ودخول الجنة أو النار، كانت بناءً للأواصر القوية بين الجماعة المسلمة الصغيرة جداً، كانت فترة تجنب للاستئصال قدر المستطاع، فمرة عن طريق التخفي، ومرة أخرى عن طريق تجنب الصراع بكل وسيلة ممكنة، ومرة عن طريق الهجرة، فالهجرة إلى الحبشة كانت مرتين، والثالثة كانت للمدينة المنورة.
أما فترة المدينة المنورة فكانت فترة بناء للأمة الإسلامية بكل ما تعنيه الكلمة، فإذا كنا في فترة مكة نبني أفراداً، ففي فت