و {يَوْمَ الْفُرْقَانِ}، هو يوم بدر وهو اليوم السابع عشر من رمضان سنة اثنتين من الهجرة، وقد ذكرنا لم سمى الفرقان - ولكن إضافة يوم إلى الفرقان إضافة تنويه به وتشريف له - وقوله: {يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ}، بدل من يوم الفرقان، فإضافة يوم إلى جملة:
{الْتَقَى الْجَمْعَانِ}، للتذكير بذلك الالتقاء العجيب الذى كان فيه نصرهم على عدوهم، وهذا الالتقاء العجيب حقه أن يذكر به لحكمه التى أشرنا إليه، وحصوله الذى لا يمكن لأحد إحداثه إلا الله، وإن استمرار المؤمنين على ذكر منه لتقوية لإيمانهم، وشحذاً لهمهم على مواصلة المسيرة، ومن ثم رأينا تفصيل القرآن الكريم لهذا اللقاء لذينك الجمعين، جمع المؤمنين المؤيد بالله، وجمع المشركين. فيما يأتى من آيات.
وقوله: {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}، اعتراض بتذييل الآيات السابقة لارتباطها بما بعدها كأنها في سلك واحد لو قلنا يوم التقى الجمعان إذ أنتم بالعدوة الدنيا .... إلى آخره فالكلام مستقيم ولكن البلاغة في الاعتراض بهذا التذييل ليؤكد أن ما حدث بتمام قدرته وما سيفصله حالاً إنما هو كذلك بتمام قدرته، وهذا دليل على أنه لا يتعاصى على قدرته شيء؛ فإن ما أسداه لكم يوم بدر لم يكن جارياً على متعارف الأسباب المعتادة، فقدرة الله تعالى قلبت الأحوال، وأنشأت والأشياء من غير مجاريها، وأن ما جرى ليلتقى الجمعان بهذه الطريقة كان بترتيب الله وتدبيره، ثم قصه القرآن مفصلاً بقوله: {إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِن اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (42)} [الأنفال: 42].
{إِذْ} ظرف ل {أَنْزَلْنَا}، أي زمن أنتم بالعدوة الدنيا، ووصف الهيئة ليس من دواعى القرآن الكريم وأغراضه، فهو أطناب في وصف المنازل، لا يذكره القرآن إلا أن يكون فيه عبرة لازم التذكير بها وقد ظهرت هنا، وهي الحالة الحرجة التى كان المسلمون عليها التى