وفي صبيحة يوم بدر، عندما تراءى الجمعان، ما زال الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يهتف بربه موصولاً قلبه به، يقول على بن أبى طالب - رضي الله عنه -، دعا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ربه قائلاً: «اللهم هذه قريش، قد أقبلت بخيلائها وفخرها، تحادك وتكذب رسولك، اللهم فنصرك الذى وعدتنى، اللهم أحنهم الغداة» (?)، وحكى كذلك عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - إكثار النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الدعاء يوم بدر، قائلاً: «لما كان يوم بدر، نظر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى المشركين، وهم ألف، وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلاً، فاستقبل نبى الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - القبلة، ثم مد يديه فجعل يهتف بربه: «اللهم انجز لى ما عدتنى، اللهم آت ما وعدتنى، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام، لا تعبد في الأرض» فما زال يهتف بربه ماداً يديه مستقبل القبلة حتى سقط رداؤه عن منكبيه، فأتاه أبو بكر - رضي الله عنه -، فأخذ رداءه، فألقاه على منكبيه، ثم التزمه من ورائه وقال: يا نبى الله! كفاك مناشدتك ربك، فإنه سينجز لك ما وعدك، فأنزل الله عز وجل: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9)} [الأنفال: 9]، فأمده الله بالملائكة. وقد خرج من العريش وهو يقول: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (45)} [القمر: 45] (?).
وارتباطه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالسماء في مثل هذا الموقف، دليل الوحى والرسالة والنبوة، إذ من يدعو
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ويناشده غير رب الأرض والسماء، لينصره على قريش في موقع لا يظن به النصر، وهو مستيقن بذلك النصر، يبشر به أصحابه، لو وقع غير ذلك ما قامت للدعوة قائمة.