ولم تكتف الأنصار بذلك، بل بذلوا - طيعة - أنفسهم أموالهم للمهاجرين، فقالوا للرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اقسم بيننا وبين إخواننا النخيل». قال: «لا» فقالوا «تكفوننا المؤونة ونشرككم في الثمر»، قالوا: «سمعنا وأطعنا» (?). وهذا منه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دفع للمهاجرين لاستكمال أجرهم وثوابهم، وألا يكونوا عالة يثقلون كواهل إخوانهم، ولئلا يظنوا بهجرتهم، وتركهم كلَ شيء، أنهم قد صار لهم الحق والعذر في أن يجلسوا ويستريحوا شيئاً ما، من عناء ما قاسوا، ولكنه كان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعِدّهم لإتمام جهادهم، والثبات على مبادئ البذل والتضحية، ومواصلة مسيرة الهداية، متقدمين فيها الصفوف.
ومن التطبيقات العملية، قصة عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه -، حيث آخى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بينه وبين سعد بن الربيع - رضي الله عنه -، فقال له سعد: «إني أكثر الأنصار مالاً، فأقسمُ لك نصفَ مالي، وانظرْ أيَ زوجتيَّ هويتَ، نزلت لك عنها، فإذا حَلَّتْ تزوجْتَها، فقال له عبد الرحمن: «لا حاجة لي في ذلك، هل من سوق فيه تجارة؟ فَدُلَّ على سوق بنى قينقاع ... إلى آخر الحديث، حيث تمكن من الزواج، ودَفْعِ المهر، وقال له الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَوْلِمْ ولو بشاة» (?). ولم يكن سعد بن الربيع - رضي الله عنه - منفرداً عن غيره من الأنصار، فيما عرضه على أخيه، كما يُظَنُّ، فقد طلبوا - كما أشرنا آنفاً - من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يقاسموهم كل شيء، وأن يعطوهم منازلهم، فهو إذاً شأن الصحابة عامة في علاقتهم، وتعاونهم، مع بعضهم البعض، بعد الهجرة خاصةً، وبعد أن آخى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيما بينهم (?).
وعلى الرغم من هذا الإيثار، فقد أراد الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يوجد تشريعاً يعالج للمهاجرين أوضاعهم الاقتصادية، فكان أن شرع نظام المؤاخاة في السنة الأولى من الهجرة، حيث آخى