المكان في النسب، وقد أتيت قومك بأمر عظيم فرقت به جماعتهم، فاسمع منى أعرض عليك أموراً لعلك تقبل بعضها: إن كنت إنما تريد بهذا الأمر مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً، وإن كنت تريد شرفاً سودناك علينا فلا نقطع أمراً دونك، وإن كنت تريد ملكاً ملكناك علينا، وإن كان هذا الذى يأتيك رئياً تراه لا تستطيع رده عن نفسك طلبنا لك الطب، وبذلنا فيه أموالنا حتى تبرأ.»
فلما فرغ من قوله تلا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صدر سورة «فصلت» إلى قوله تعالى: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} [فصلت: 13]، وعندها وضع عتبة يده على فيه، وقام كأن الصواعق ستلاحقه، وعاد إلى قريش مخبراً إياهم، بأن ما سمع ليس شعراً، ولا سحراً، ولا كهانة؛ واقترح على قريش أن تدع محمداً - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وشأنه) (?) (.
ولما لم يأت الترغيب بما اشتهت قريش، وما كان؛ - فتلك دعوة الله تعالى، لا يسألهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هم ولا غيرهم عليها أجراً؛ وإنما هو يدعوهم إلى هدايتهم ونجاتهم -؛ لجأت قريش حينئذ إلى الترهيب، واستخدمت فيه كل الوسائل الصادة عن سبيل الله، وقد أشرنا إلى أساليب منها.
وقد ذكر ابن اسحاق فيما ذكر ابن هشام، أن أبا جهل إذا سمع عن رجل قد أسلم، وله شرف ومنعة، أنبه وأخزاه وقال له: «تركت دين أبيك وهوخير منك لنسفهن حلمك، ولنضعفن رأيك ولنضعن شرفك.» وإن كان تاجراً قال له: ولنكسدن تجارتك، ولنهلكن مالك. وإن كان ضعيفاً ضربه وأغرى به. (?)