ومنشأ جميع الأخلاق السافلة، وبناؤها على أربعة أركان: الجهل، والظلم، والشهوة، والغضب (?)، وكيف رأينا أنَّ الرسالة وصاحبها - عليه الصلاة والسلام - أبعد شيء عن هذه الأخلاق، وأشد نهياً عن الإتصاف بها، وأكثر العالمين حملاً لهم على مجاهدة أنفسهم على تركها، فجعل الدين كله خُلُقاً، فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الدين، ودليل ذلك وبرهانه من كلامه هو - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما سئل عن البرِّ والإِثم فقال: (البُّر حسن الخلق، والإِثم ما حاك في صدرك، وكرهت أن يطَّلع عليه الناس) (?).
فقابل البَّر بالإِثم، وأخبر أنَّ البر حسن الخلق، والإثم حواز الصدور، وهذا يدلُّ على أنَّ حسن الخلق هو الدين كله، وهو حقائق الإيمان، وشرائع الإسلام، ولهذا قابله بالإِثم.
وإنَّ مما يؤكد ذلك في نظر صاحب الشريعة قوله عليه الصلاة والسلام: (إنَّ المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم) (?) فجعل حسن الخلق درجة المتقين الصائمين القائمين، وليس ثَمَّ درجة أعلى من ذلك إذ هي أعظم صفات المدح، وأعلى درجة الإيمان، ولذا قال: (إنَّ من أكمل المؤمنين إيماناً: أحسنهم خُلُقاً) (?).
ولقد تمثلت هذه الصفات جميعها فيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما ذكر أبعد الناس منه، وكذلك أقرب الناس إليه، حيث قالت السيدة عائشة رضي الله عنها لمَّا سُئلت عن خلقه عليه الصلاة