الثانية: وهي مدرسة جد حديثة تقوم على تمحيص الروايات، وقبول الصحيح، ورد الضعيف مهما كان مساعدًا في إثبات قضايا التاريخ والسيرة، إظهارًا للحق وإنصافًا للحقيقة، حتى وإن تهلل لها المستشرقون، لأن اعتقادهم في صحة منهجهم، وإثباته بالصحيح من القول ينتهي بهم إلى نزاهة النتيجة وقوة برهانها، وهي مغايرة تمامًا لنتيجة المستشرقين لأن هذه منبنية على التضليل مع الترصد وسبق الإصرار وغير ذلك، بل هي نتيجة معدة سلفًا بخلاف تلك.

قبل بداية البحث في هذه النقطة نذكر بما زدناه جديدًا في الرسالة من المقارنة مع القرآن الكريم لندلل على صحة ما نود الوصول إليه، وكان التأمل في هذه النقطة بالذات مثار عجب الباحث، إذ كانت وحدها كافية في إثبات إرهاصات المولد النبوي الشريف، بأكثر مما ادعى أصحاب المدرسة الأولى نفسها التي جمعت الغث والسمين، وبالتالي ردت على أصحاب المدرسة العقلية من المسلمين، ومتبوعيهم من المستشرقين (نسميها بالحق مدرسة الادعاء العقلي) وسيكون القرآن الكريم عمدتنا في السيرة مع ما صح من نقد الروايات بعد ذلك في هذه الرسالة بفضل الله تعالى، إذ هو الدليل والمدلول عليه.

ونبدأ بما روي عند ولادته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وما بعدها من إرهاصات، نذكرها بترتيبها الزمني بعد ذلك كما التزمنا، وكما هو يتناسب مع كُتَّاب السيرة.

لقد رويت قصص وأخبار حول صفة حمل أمه به، وأنها لم تر أخف ولا أيسر منه، وأنها رأت بشارة بجليل مقامه، وأُمرت بتسميته محمدًا، كما وردت أخبار ذكروها تفيد أنه "وقع حين ولادته معتمدًا على يديه، رافعًا رأسه إلى السماء"، وأنه ولد مختونًا، أو ختنه جبريل - عليه السلام -.

ورويت روايات حول هواتف الجان في ليلة مولده، وتبشيرها به، وارتجاس إيوان

طور بواسطة نورين ميديا © 2015