لقد جرت محاولات الإنسان الذاتية أن يتصور الخالق إلى أنواع من التجسيم والتجسيد، ومن هنا أمر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بعدم التفكير في ذات الله والانصراف إلى التفكير في المخلوقات الجامدة والحية، ومحاولة التوصل إلى قوانين المادة وأسرار الطبيعة، للإفادة من ذلك كله في بناء الحضارة، أما التعرف على الله تعالى وصفاته وكيفية توحيده وعبادته فيتلقاه الإنسان عن الرسل الكرام، دون أن يجهد عقله في التصور أو الاستقراء أو الاستدلال، إلا ضمن دائرة الوحي الإلهي.
إنَّ الإنسان المعاصر الذي يعيش في دائرة الحضارة الغريبة امتلأ غروراً وعجباً، وصورت له الإمكانيات التكنولوجية الهائلة أنه قادر على الاستقلال بذاته، والاعتماد على تجاربه وعقله لإحراز العلم والمعرفة وتسخير الطبيعة والكشف عن أسرار الكون، وقد نسي ربَّه في بهرج الانتصار العلمي، بل صور له الفلاسفة الوضعيون الوجوديون والبراجماتيكيون أنه الكائن الأول الذي تخضع له الموجودات الأخرى، وما عليه إلا أن يكتشف حريته ويثق بقدرته، وفي غمرة هذا التمويه الفكري سقط الإنسان في جاهلية القرن العشرين، وبدل أن يتحرر عاد ليسقط بفعل حاجاته النفسية والروحية في براثن السحر والشعوذة.
وسبيل النجاة من أزمة الإنسان المعاصر هو العودة إلى تعاليم الوحي الإلهي، والتعرف على الله وعالم الغيب من خلاله. وبذلك يحقق الإنسان وجوده المتكامل ولا يفقد شيئا من طاقاته، وهو يندفع للكشف عن المجهول البعيد بوسائله الذاتية القاصرة.
إن كبت الروح ومنعها من التعرف على الله - الواحد الأحد الفرد الصمد - لن يولِّد إلاّ موت الإنسان وبقاء الجسد المادي الذي لا يفضل عن الحيوان، وهذا هو مصدر شقاء الإنسان المعاصر إنه لا يشعر باكتمال الحياة. قال عليه الصلاة والسلام: "مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر مثل الحي والميت" (?).