إن الإيمان بالغيب يعني أن المؤمن لا يقتصر وعيه على العالم الفيزيائي المشهود، بل يعتقد بوجود عالم آخر غير مرئي هو عالم الغيب، وإليه يشير اصطلاح: "ما وراء الطبيعة" أو "الميتافيزيقيا" لكن الاصطلاح الفلسفي يظل غامضاً ومضطرباً أمام وضوح الاصطلاح الديني، فالمسلم يعتقد بوجود الله خالق الكون والحياة، وأنه يرسل رسلاً يوحي إليهم بالرسالات التي تنظم حياة الإنسان على الأرض، وتحدد القيم الأخلاقية المطلقة، وتجعل أتباعها يدينون لله بالعبودية، والعبودية لله لا تعني شل إرادة الإنسان ولا تقييد طاقاته، ولا إذلاله، بل هي منطلق لتحرره من عبادة المخلوقات إذ (لا إله إلا الله)، وهي تبصير له وتفتيح لوعيه على حقيقته وحقيقة الوجود، فلا يتضاءل فيحسن بأنه ذرة في فلاة، لا أهمية لها ولا غاية، ولا يستعلي فيحس أنه "الإله الخالق" كما يعبر الماركسيون والماديون في القرن العشرين، وهم يحسبون أنهم بنفي "الله" وإثبات الخلق للإنسان يعلون من قدر الإنسان ويحررونه، ويجعلونه مصدر القيم النسبية المتغير في الزمان والمكان تبعاً لرقي الإنسان وتغيره المستمر. وبذلك يكلون الإنسان إلى نفسه وطاقاته، ويحرمونه من رعاية الله ونور رسالاته، ويكبتون روحه عندما يمنعونها من الاتصال بخالقها ويحصرونها في عالم ضيق مظلم هو عالم المادة. وقد وصف الله تعالى المؤمنين المتقين بأنهم يؤمنون بالغيب، فقال تعالى: {الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ...} (?).
وعالم الغيب الذي يؤمن به المتقون يشتمل على الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره من الله تعالى. ولا يسمى مؤمناً إلا من آمن بهذه العقيدة كاملة، فلا يسعه أن يؤمن ببعضها وينكر بعضها الآخر.