حساب السنين أن الرهان جرى في بداية مرحلة الجهر بالدعوة.
ولا بد أن فرحة المؤمنين بانتصار الروم كانت كبيرة لما فيها من تأييد القرآن وخذلان المشركين فضلًا عن انتصار أهل الكتاب على المجوس، بل قد أسلم ناس كثير على أثر ذلك (?).
إن مراقبة الأوضاع خارج الجزيرة العربية مهمة لبلد تجاري كمكة، وخاصة الصراع بين أقوى دول العالم يومئذ: الفرس والروم. كما أن نبوءة القرآن كانت تشعر المؤمنين بأهمية متابعة التطورات السياسية خارج بلادهم، بل وفيها ما يرمز إلى وحدة موقف المؤمنين بالله أمام الوثنية والإلحاد منذ أن كان المؤمنون قلة مستضعفة بمكة.
إن الجدل الساخن يوضح جانبًا آخر من العلاقات بين المسلمين والمشركين، وقد تصاعد العنف مع الأيام، فأصبح المسلمون في حالة انفصام تام عن المجتمع المكي تحيط بهم النظرات الغاضبة والألسن الشاتمة والأيدي المعتدية بأنواع العذاب، لذلك صار مقام المسلمين في مكة غاية في الصعوبة ومن هنا جاء التفكير بمكان آمن يهاجرون إليه، وكان توجههم الأول نحو الحبشة.
من الثابت أن المسلمين هاجروا إلى الحبشة مرتين (?)، وكانت الهجرة الأولى في شهر رجب من سنة خمس من المبعث، وهم أحد عشر رجلًا وأربع نسوة