ناسخ فيه ولا منسوخ فالكلام فيها متصل بعضه ببعض في واقعة واحدة فلا حاجة لتمزيقه ولا لإدخال آية براءة فيه. وقد نقل عن ابن عباس أنه لا نسخ فيها ومن حمل الأمر بالقتال فيها على عمومه ولو مع انتفاء الشرط فقد أخرجها عن أسلوبها وحملها ما لا تحتمل، وآية سورة آل عمران نزلت في غزوة أحد وكان المشركون هم المعتدين، وآيات الأنفال نزلت في غزوة بدر الكبرى وكان المشركون هم المعتدين أيضًا، وكذلك آيات سورة براءة نزلت في ناكثي العهد من المشركين ولذا قال: {فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُم} 1، وقال بعد ذكر نكثهم {أَلا تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَأُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} 2. الآيات.
كان المشركون يبدءون المسلمين بالقتال لأجل إرجاعهم عن دينهم ولو لم يبدءوا في كل واقعة لكان اعتداؤهم بإخراج الرسول من بلده وفتنة المؤمنين وإيذائهم ومنع الدعوة كل ذلك كان كافيًا في اعتبارهم معتدين فقتال النبي -صلى الله عليه وسلم- كله كان مدافعة عن الحق وأهله وحماية لدعوة الحق، ولذلك كان تقديم الدعوة شرطًا لجواز القتال وإنما تكون الدعوة بالحجة والبرهان لا بالسيف والسنان، فإذا منعنا من الدعوة بالقوة بأن هدد الداعي أو قتل فعلينا أن نقاتل لحماية الدعوة ونشر الدعوة لا للإكراه على الدين فالله تعالى يقول: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} 3، ويقول: {أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} 4. وإذا لم يوجد من يمنع الدعوة ويؤذي الدعاة أو يقتلهم أو يهدد الأمن