وما احتجوا به ثانيًا من حديث "أمرت أن أقاتل الناس" فهو لا يثبت مدعاهم؛ لأن جميع المسلمين متفقون على أن المراد من الناس في هذا الحديث مشركو العرب خاصة لأن غيرهم من أهل الكتاب ومشركي غير العرب حكمهم يخالف ما جاء في الحديث لأنهم يقاتلون حتى يسلموا أو يعطوا الجزية وإذا كان المراد من الناس مشركي العرب خاصة وهؤلاء حالهم من العدوان على المسلمين والدعوة غير مجهولة فالله أمر رسوله أن يقاتلهم حتى يدفع شرهم، ولجمودهم على ما وجدوا عليه آباءهم ولشدة طغيانهم لم يكن سبيل إلى دفع شرهم إلا بأن يسلموا أو يستأصلوا، ولو كان يرجى منهم خير لأبيح معهم عقد الذمة وقبول الجزية كما شرع لغيرهم، فالحديث في طائفة خاصة والقتال فيه لدفع الشر لا للدعوة ولو كان للدعوة لكانوا هم وغيرهم سواسية.
وما احتجوا به ثالثًا من النهي عن اتخاذ الكافرين أولياء فهذا ليس بدليل لأن مورد النهي موالاتهم ومخالفتهم ونصرتهم على المسلمين وهذا لا خلاف في حظره، وأما موالاتهم بمعنى المسالمة والمعاملة بالحسنة وتبادل المنافع فهذا غير محظور وكيف يكون محظورًا وقد أباح الله للمسلم أن يتزوج بالكافرة الكتابية. وليس بعد علاقة الزوجية موالاة. ونفى الله سبحانه النهي عن برهم والقسط إليهم ما داموا لم يقاتلوا المسلمين ولم يعتدوا عليهم وقد قال الفخر في تفسيره "الموالاة تحتمل درجات ثلاثًا":
1- أن تكون موالاته توجب الرضا بكفره وذلك حرام لأن الرضا بالكفر كفر.