المجتهدين والمفتين حتى وصل الأمر إلى أن قال علماء الحنفية: إن تقليد الجاهل القضاء صحيح عندنا ويحكم بفتوى غيره. ومن هذا أن القضاء في الحكومات الإسلامية كان له طوران:

الأول:

كان مرجع القضاة فيه إلى القانون الأساسي وكانت لهم مع السلطة القضائية سلطة التشريع.

والثاني:

كان مرجع القضاة فيه إلى اجتهاد الأئمة وما كان لهم إلا التطبيق بالتقليد.

وتعيين القضاء من حق الخليفة فتارة يتولى حقه بنفسه ويعين رجال القضاء وتارة يكل هذا التعيين إلى ولاة الأمصار. يدل على هذا ما جاء في عهد علي بن أبي طالب إلى الأشتر النخعي حين ولاه مصر إذ يقول له: "ثم اختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك في نفسك ممن لا تضيق به الأمور ولا يمحكه الخصوم ... إلى آخر ما جاء فيه. وليس تعيين القضاة مانعًا الخليفة أن ينظر بنفسه في فصل بعض الخصومات لأنه هو صاحب السلطة القضائية وهؤلاء إنما يعملون بالنيابة عنه وهذه الإنابة لا تسلبه حقه.

وقد حالت فوضى التشريع دون أن يكون للقضاة في الحكومة الإسلامية قانون مفصل يرجعون إليه في أحكامهم بل كان المرجع إلى اجتهادهم في الدور الأول من القضاء الذي كان يرجع فيه إلى الأصول وإلى اجتهاد سائر المجتهدين والمفتين في الدور الثاني الذي كان فيه القضاة مقلدين يرجعون إلى مجتهدات غيرهم. ولذا كانت تضطرب الأحكام ولا يتقيد القضاة بقانون.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015