بكل سياسة عادلة ويجد كل مصلح في أصوله وكلياته لكل ما يريد من إصلاح ولا يقصر عن تدبير شأن من شئون الدولة.
ورب قائل: إذا كان الإسلام كفيلًا بالسياسة العادلة يتقبل كل نظام تقتضيه مصالح أية أمة، ولا يقصر عن تدبير شأن من شئونها، فلماذا اضطرت بعض الدول الإسلامية إلا الأخذ بقوانين غيرها، ولم يكن الإسلام مصدرها في سن نظمها وتشريع قوانينها، وبعبارة أخص لماذا نرى دولة إسلامية مثل مصر تأخذ من غيرها قوانين المعاملات والعقوبات وتحقيق الجنايات وطرق المرافعات ونظم الإجراءات؟
والجواب:
إن هذا ليس منشؤه قصور الإسلام ولكن تقصير المسلمين، وذلك أن الإسلام بما نص عليه من الأحكام وبما وضعه من الأصول للاستنباط، وبما أرشد إليه من اعتبار المصالح، فيه غناء لكل دولة إسلامية لو أن المسلمين وفقوا وكان لهم في كل عصر جمعية تشريعية مؤلفة من خيرة أهل العلم بأصول الدين والبصر بأمور الدنيا وعهد إليهم أن يسايروا تطورات الناس والأزمان ويستنبطوا للوقائع المختلفة الأحكام التي تتفق ومصالح الناس، ولا تخالف أصول الدين ولكنهم فرطوا في هذا فتصدى للاستنباط من هو غير أهل له وعمت فوضى الاجتهاد الفردي واضطروا لمعالجة هذه الفوضى بسد باب الاجتهاد والاقتصار على فهم وتطبيق ما استنبط الأئمة المجتهدون السابقون، وكان من نتائج هذا الوقوف تركهم وما وقفوا عنده ومسايرة الزمن بالقوانين والنظم التي تقتضيها المصلحة.