اثنين لأن القصد الستر وإن كان الدم أعظم. وهذه المباينات والاختلافات كثيرة في الشرع لاختلاف الأحوال، فلذلك ينبغي أن يراعى اختلاف الأحوال في الأزمان فتكون المناسبة الواقعة في هذه القوانين السياسية مما شهدت لها القواعد بالاعتبار".
ونقل ابن القيم في كتابه الطرق الحكمية عن ابن عقيل قال:
"السياسة ما كان فعلًَا يكون معه الناس أقرب إلى الصلاح وأبعد عن الفساد وإن لم يضعه الرسول ولا نزل به وحي. ومن قال: لا سياسة إلا بما نطق به الشرع فقد غلط وغلط الصحابة. فقد جرى من الخلفاء الراشدين ما لا يجحده عالم بالسنن وكفى تحريق علي الزنادقة وتحريق عثمان المصاحف ونفي عمر نصر بن الحجاج".
قال ابن القيم في الطرق الحكمية: "وهذا موضع مزلة أقدام ومضلة أفهام، وهو مقام ضنك ومعترك صعب فرط فيه طائفة فعطلوا الحدود وضيعوا الحقوق وجرءوا أهل الفجور على الفساد وجعلوا الشريعة قاصرة لا تقوم بمصالح العباد محتاجة إلى غيرها، وسدوا على نفوسهم طرقًا صحيحة من طرق معرفة الحق والتنفيذ له وعطلوها مع علمهم وعلم غيرهم قطعًا أنه حق مطابق للواقع ظنًا منهم منافاتها لقواعد الشرع. ولعمر الله إنها لم تناف ما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم- وإن نافت ما فهموه من شريعته باجتهادهم. والذي أوجب لهم ذلك نوع تقصير في معرفة الشريعة وتقصير في معرفة الواقع وتنزيل أحدهما على الآخر، فلما رأى ولاة الأمور ذلك وأن الناس لا يستقيم لهم أمرهم إلا بأمر وراء ما فهمه هؤلاء من الشريعة أحدثوا من أوضاع سياستهم شرًا طويلًا وفسادًا