وَلِهَذَا ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ: أَنَّ الْعَدَالَةَ هِيَ الصَّلَاحُ فِي الدِّينِ وَالْمُرُوءَةُ؛ بِاسْتِعْمَالِ مَا يُجَمِّلُهُ وَيُزَيِّنُهُ، وَتَجَنُّبِ مَا يُدَنِّسُهُ وَيَشِينُهُ. وَكَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- يَقُولُ: إنِّي لَأَسْتَجِمُّ نَفْسِي بِالشَّيْءِ مِنْ الْبَاطِلِ، لِأَسْتَعِينَ بِهِ عَلَى الْحَقِّ. والله سبحانه إنما خلق اللغات والشهوات في الأصل لتمام مصلحة الخلق؛ فإنه بذلك يجتلبون ما ينفعهم، كما خليق الْغَضَبَ لِيَدْفَعُوا بِهِ مَا يَضُرُّهُمْ، وَحَرَّمَ مِنْ الشَّهَوَاتِ مَا يَضُرُّ تَنَاوُلُهُ، وَذَمَّ مَنْ اقْتَصَرَ عَلَيْهَا. فَأَمَّا مَنْ اسْتَعَانَ بِالْمُبَاحِ الْجَمِيلِ عَلَى الْحَقِّ، فَهَذَا مِنْ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ؛ وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " فِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ. قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيَأْتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ ويكون له فيها أجرٌ؟ قَالَ: أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أما يكون عليه وزر؟ قالوا: بلى، قال: فَلِمَ تَحْتَسِبُونَ بِالْحَرَامِ وَلَا تَحْتَسِبُونَ بِالْحَلَالِ؟» . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: «إنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إلَّا ازْدَدْتَ بِهَا درجة ورفعة، حتى اللقمة تضعها في في امرأتك» . والآثار فِي هَذَا كَثِيرَةٌ. فَالْمُؤْمِنُ إذَا كَانَتْ لَهُ نية، أتت على عامة أفعاله، وكان المباحات من صَالِحِ أَعْمَالِهِ لِصَلَاحِ قَلْبِهِ وَنِيَّتِهِ، وَالْمُنَافِقُ -لِفَسَادِ قَلْبِهِ وَنِيَّتِهِ- يُعَاقَبُ عَلَى مَا يُظْهِرُهُ مِنْ العبادات رياء، فإن في الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَلَا إنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إذَا صَلُحَتْ صَلَحَ لَهَا سَائِرُ الْجَسَدِ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ لَهَا سَائِرُ الْجَسَدِ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ» . وَكَمَا أَنَّ الْعُقُوبَاتِ شُرِعَتْ دَاعِيَةً إلَى فِعْلِ الْوَاجِبَاتِ، وَتَرْكِ الْمُحَرَّمَاتِ، فَقَدْ شُرِعَ أَيْضًا كُلُّ مَا يُعِينُ عَلَى ذَلِكَ. فَيَنْبَغِي تَيْسِيرُ طَرِيقِ الخير والطاعة،