سيدنا عمر بن الخطاب هو الذي فكر في المواءمة والموازنة بين هذين الأمرين: كيف نحصل للدولة على الأموال, وفي نفس الوقت لا نظلم هؤلاء الناس الذين نأخذ منهم هذه الأموال؟

أقول: اعتمد الخليفة عمر بن الخطاب في حل هذه المعادلة الجديدة التي واجهت دولته على نفس القاعدة التي اتبعها في التنظيم الإداري, وذلك بالإبقاء على النظم المالية التي سبق اتباعها في البلاد المفتوحة مع تجديد ماء حياتها بعدالة الإسلام, وتشريعاته المالية السامية, وأظهر في تلك السبيل جرأةً نادرةً المثال, وأفقًا واسعًا وحنكةً عاليةً جعلته حريًّا أن يدعى المؤسس الثاني للدولة الإسلامية, ذلك أن مشكلةً خطيرةً ثارت عقب فتح الشام والعراق ومصر مباشرةً, حين طالب الجند الفاتحون بتقسيم الأراضي في تلك البلاد بينهم وفق القاعدة الخاصة بغنائم الحروب التي تقضي بأن يتم التقسيم وفق خمسة أقسام, أحدها يوزع طبقًا للآية الكريمة عن الغنائم, والأربعة الأخماس الأخرى تكون ملكًا للفاتحين.

فهؤلاء الذين غنموا هذه الأرض من سواد العراق كان من ضمن هذه الغنائم التي استولوا عليها الأراضي, أخذوا هذه الأراضي بما عليها من ناس, فقالوا: هذه غنيمة وطالبوا سيدنا عمر بأن يطبق نظام الغنيمة وتقسيم الغنيمة الذي ورد في "سورة الأنفال" في قول الله -تبارك وتعالى-: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِين} (الأنفال: من الآية: 41) فكأن الآية -كما قلنا- آية الغنيمة تبين أن هناك خمسًا لله وللرسول، والخمس الآخر إنما يعطى للغانمين والفاتحين, وهذا ما طبقه النبي -صلى الله عليه وسلم- في عهده,

طور بواسطة نورين ميديا © 2015