وكذا لا يجوز انتهار الشاهد، كأن يصرخ عليه أو يزجره، فقد يؤدي ذلك إلى تلجلجه وتلعثمه في كلامه، والتنفير من الشهادة، وكل هذا يؤدي إلى التنفير من القاضي، وعدم الإقدام على أداء الشهادة، مما يؤدي بالتالي إلى ضياع الحقوق، وكثرة المفاسد.

وقد لا يستطيع الشاهد الإدلاء بما يريد أن يشهد به حفظًا عن ظهر قلب؛ لكون الشهادة طويلة أو متشعبة، وحينئذٍ: أجاز العلماء أن يكتبها الشاهد أو تكتب له ثم تتلى عليه، ويشهد بما هو مكتوب؛ لأن في استصغارها بالحفظ مشقة عليه، وفي تركه الشهادة ضياع للحق، فكان ذلك مباحًا دفعًا للحرج.

وقد ذكر الفقهاء: أن مما يلزم عند ضبط الشهادة تمييز الشهود، فقالوا: إن على القاضي أن يكتب اسم الشاهد، واسم أبيه، وجده، وكنيته إن عرفت، وكذا اسم قبليته، وحرفته، ومحلته التي يسكن فيها، فإن لم يكن في هذا ما يميزه عن غيره، كأن يقع الاشتباه والتوافق بما ذكر، فلا بد من البحث عن ميزة خاصة لرفع احتمال الاشتباه، وكذا قال، أي: قال الفقهاء: إن علي القاضي أن يثبت تاريخ الشهادة، كأن يقول: في يوم كذا من شهر كذا في سنة كذا، ثم يحفظ هذا الضبط؛ لئلا تتعرض الشهادة إلى التزوير بالزيادة فيها أو النقصان.

وما ذكره الفقهاء من تمييز الشهود يدلنا على أهمية إثبات الشخصية، وأن له أصلًا في الفقه الإسلامي، ولأهميته فقد وجد من الوسائل ما يكفل تمييز كل فرد عن غيره.

ومما يدعو للعجب: ما ذكره ابن قدامة مما هو معتمد في إثبات الشخصية في هذا العصر من الصفات الخِلقية، حيث قال: فيكتب -أي أن القاضي يكتب- عن الشاهد صفات معينة، ومنها: أنه يكتب أسود أو أبيض، أو رقيق الشفتين أو غليظ الشفتين؛ ليتميز، ولا يقع اسم على اسمه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015