وأما كيفية إذن القاضي للشهود في أداء الشهادة فيكون ذلك بصيغة الاستفهام، كأن يقول لهم: بِمَ تشهد؟ أو يقول: من كانت عنده شهادة فليذكرها إن شاء، ولا يقول لهم: اشهدوا؛ لأنه أمر يدل على ميل القاضي لأحد الخصمين، والمطلوب من القاضي التمسك بمبدأ الحياد في المحاكمة ما أمكن.

فإذا شرع الشاهد في أداء الشهادة، فعلى القاضي توجيه الأسئلة إليه التي يريد استجوابه عليها، والتي ليس لها مساس بإقامة الشهادة على وجهها: لتطابق الدعوى، والأولى: أن يترك للشاهد الفرصة الكافية للإدلاء بكل ما لديه مما يتعلق بالشهادة من غير تدخل من القاضي في ذلك بما يفيد تصحيح كلام الشاهد أو لفت انتباهه إلى تلافي ثغرات في شهادته أو تدارك فلتات لسانه، حتى إذا انتهى سأل الشاهد الآخر كما سأل الأول؛ ليعرف بذلك مواطن الائتلاف من الاختلاف.

وإذا ارتاب القاضي في كلام الشهود فرقهم، وناقش كل واحد على حدة، كأن يسأل عما يتعلق بالمشهود به، ومتى تحمل الشهادة؟ وفي أي موضع؟ ومن حضر آنذاك؟ وماذا جرى عند ذلك؟ وهكذا، وبهذه الطريقة يمكن تمييز الشهادة، وإدراك مواطن الضعف عند الشهود في شهادتهم، فإن اتفقت قبل القاضي الشهادة، ثم سأل عن عدالتهم.

وإن اختلفت أقوالهم رد القاضي شهادتهم، وطلب من المدعي إحضار غيرهم إن شاء.

ومما ينبغي للقاضي حال أداء الشهادة أن يلتزم الحشمة والوقار، فلا يتعنت بالشهداء، بأن يقول لهم: لِمَ شهدتم؟ وما هذه الشهادة؟ أو يستقصي منهم أمورًا تشق عليهم، وتوقعهم في الحرج والمشقة، مما ليس له أهمية خاصة بالإثبات،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015