وبالنسبة للأحناف، ومسلكهم في هذا الطريق فهو كمسلكهم في الاحتمالين السابقين وهو التفصيل، فقالوا:

إن أقام كل واحد من صاحبي اليد بينة أن الشيء له بدون تاريخ، فإنه يقضى بالشيء بينهما نصفين، أما إن أرخ كل واحد منهما بينته، وكان التاريخ واحدًا ففي هذه الحالة -أيضًا- يقضى بالشيء بينهما نصفين كما في الصورة الأولى، أما إذا كان تاريخ أحدهما أسبق، فالأسبق الأولى عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وقال محمد: لا عبرة للتاريخ بالنسبة لصاحب اليد، فيكون الشيء بينهما نصفين.

وأيضًا إن أرخ أحدهما دون الآخر فإنه يقضي بالشيء بينهما نصفين عند أبي حنيفة ومحمد، ولا عبرة للوقت؛ لأنه ساقط الاعتبار لوجود الاحتمال في تقدمه عن تاريخ بينة الآخر وتأخره.

وقال أبو يوسف: هو لصاحب التاريخ، أي: للأسبق تاريخًا، أو للذي أرخ دون الذي لم يؤرخ.

وهنا نتساءل: هل ترجح بينة أحد المتداعيين بكثرة عدد الشهود أو اشتهار العدالة؟

نقول: في الصور السابقة الذكر وغيرها من حالات تعارض البينات قرر جمهور الفقهاء: أنه لا ترجح إحدى البينتين بكثرة عدد الشهود، ولا اشتهار العدالة؛ لأن كلًا من البينتين حجة كاملة من الطرفين بالتقدير الشرع، فلا تتقوى بالزيادة، كما هو الشأن في الديات لا يختلف مقدارها باختلاف الأشخاص. قال الإمام مالك: يرجح بزيادة العدالة.

وبهذا نكون قد انتهينا من الحديث عن تعارض الدعويين والبينتين، وكيف يحل هذا التعارض عند فقهاء المذاهب كما بينا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015