الامتناع من الأيمان الواجبة، فدل ذلك على نقل الأيمان من جهة إلى أخرى، ولا يقضى عند الجمهور بمجرد النكول لأن النكول كما يحتمل أن يكون امتناعًا وتحرزًا عن اليمين الكاذبة يحتمل أن يكون تورعًا عن اليمين الصادقة، فلا يقضي للمدعى مع تردد المدعى عليه، إذ لا يتعين بنكوله صدق المدعي، فلا يجوز الحكم له من غير دليل، فإذا حلف المدعي كانت يمينه دليلًا عند عدم ما هو أقوى منها.
وقال الحنفية والحنابلة -في المشهور عندهم-: لا ترد اليمين على المدعي، وإنما يقضي على المدعى عليه بمجرد النكول عن اليمين، ويلزم بما ادعي عليه به.
والنكول إما أن يكون حقيقة، كقوله: لا أحلف، أو حكمًا، كأن يسكت، وتعرض اليمين على المدعى عليه مرة واحدة، ولكن لزيادة الاحتياط والمبالغة في إبداء العذر، ينبغي للقاضي تكرار عرض اليمين عليه ثلاث مرات، بأن يقول له: إني أعرض عليك اليمين ثلاثًا، فإن حلفت فبها، وإلا قضيت عليك بما ادعاه خصمك، واستدلوا بقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((البنية على المدعي واليمين على من أنكر)) فقد جعل جنس الأيمان على المنكرين كما جعل جنس البينة على المدعين، واستدل الحنفية أيضا بأن النكول دليل على كون المدعى عليه مقر بهذا الحق المدعى به عليه، ولولا ذلك لأقدم على اليمين دفعًا لضرر الدعوى عن نفسه، وقيامًا بالواجب؛ لأن اليمين واجبة عليه، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: ((واليمين على من أنكر)) وكلمة على تدل على الوجوب.
وينبغي للقاضي أن يقول للمدعى عليه: إني أعرض عليك اليمين ثلاث مرات، فإن حلفت وإلا قضيت عليك بما ادعاه المدعي، فإن كرر العرض عليه ثلاث مرات قضى عليه بمجرد نكوله.