ثالثًا: ثم نتحدث الآن عن السلطة القضائية ونظام القضاء في عهد عمر بن الخطاب فنقول:

لما ولي عمر بن الخطاب بعد وفاة أبو بكر وجه عنايته إلى القضاء ودعمه، واهتم بشأنه خصوصًا بعد أن فتح الله على المؤمنين بلاد الشام، والفرس، والعراق، ومصر، وامتدت إلى أماكن مختلفة من العالم خارج الجزيرة العربية في عهده شملت الكوفة، والبصرة، وأمام هذا الاتساع في رقعة البلاد الإسلامية كان من الضروري أن يستعين عمر -رضي الله عنه- أن يجعل سلطة القضاء مستقلة عن عمل الوالي في بعض الولايات التي تحتاج إلى ذلك؛ ليتفرغ الوالي للأعمال الكثيرة أخرى التي كان لزامًا عليه أن يتفرغ لها، وفي مقدمتها نشر الأمن والطمأنينة في أنحاء، ولايته، وحمايتها من خصومها، والترصد لحركاتهم، ومؤامراتهم، وإيذاء ذلك فصل عمر القضاء في بعض الولايات الكبيرة عن عمل الوالي، وجعله سلطة مستقلة، ونفذ هذا في ولايات: الكوفة، والبصرة، ومصر.

وقد جعل عمر -رضي الله عنه- السلطة القضائية تابعة له مباشرة، فكان هو الذي يعين القضاة، ويكتب إلي واليه في الولاية أن يولي فلانًا القضاء عنده كما كان يوجه القضاة ويراسلهم ويراسلونه فيما يُشكل عليهم في القضاء، ويسألونه أتانا كذا وكذا فما الحكم؟ وكان يجيب عليهم بما يتخذونه وما يسلكونه من طريق، وكان بهذا الوصف الرئيس الأعلى للقضاة، وصاحب الخطة التي يسيرون عليها في قضائهم لا يحيدون عنها ولا يخالفونها، ومع هذا فقد أبقى عمر بعض ولاته على القضاء أيضًا، وربما يرجع هذا إلى أن ظروفهم كانت تسمح لهم في ولاياتهم بمباشرتهم القضاء بأنفسهم مع عبء السلطة التنفيذية؛ لأن القضاء لم يشغلهم عن العناية بشئون الولاية.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015