وبدأت تلك القبائل تدخل في دين الله أفواجًا، وترسل وفودها في العام الثامن من الهجرة، وطوال العام التاسع الهجري أيضًا، تعلن للرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- في يثرب ارتباطها بنظامه السياسي، وتحصل على ما تريد أيضًا من العهود والمواثيق.

ووجد الرسول الكريم أن هذا التطور الهائل يقتضي تعديلًا واسعًا في النظام السياسي الذي سبق أن أقامه بمقتضى الصحيفة -أو الدستور الذي تحدثنا عنه- مع حتمية العمل على إعطاء هذا النظام الشكل النهائي، الذي يتفق والسيادة العليا التي آلت إليه على سائر أرجاء شبه الجزيرة العربية.

وتركزت معالم التعديل الأخير في تنظيم حقوق المواطنة للدولة الإسلامية بما يزيل أي مظهر من مظاهر التباين بين أبنائها، وما يؤدي إلى جمعهم في وحدة واحدة؛ من أجل حمل رسالة تلك الدولة، وهي نشر الإسلام في جميع أرجاء العالم؛ لأن الإسلام إنما هو دعوة عالمية للناس جميعًا: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} (سبأ: من الآية: 28) {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِين} (الأنبياء: من الآية: 107).

وكان أول شطر من هذا التعديل الأخير هو السماح لليهود، وغيرهم من أهل الكتاب بالحصول على حقوق المواطنة لا عن طريق العهود -كما تقرر في الصحيفة من قبل- ولكن عن طريق دفع الجزية، يقول: -تبارك وتعالى- {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} (التوبة: 29).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015