والوفاء بالوعد من صفات المؤمنين، يقول تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} (المؤمنون: 8) أي: للأمانات التي اؤتمنوا عليها، وعهودهم -وهو: عقودهم- التي عاقدوا الناس فهم لها راعون -أي: حافظون- لا يضيعون، ولكنهم يوفون بذلك كله.
ونبه القرآن أن من ينقض العهد يكون مذمومًا، بل هو شر الدواب عند الله، فقد نَعَى القرآن الكريم على اليهود نقضهم العهد الذي كان بين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبينهم، فيقول: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ} (الأنفال: 55، 56) يقول ابن عباس: "هم قريظة، فإنهم نقضوا عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأعانوا عليه المشركين بالسلاح في يوم بدر، ثم قالوا: أخطأنا، فعاهدهم مرة أخرى، فنقضوه أيضًا يوم الخندق".
وقوله: {وَهُمْ لا يَتَّقُونَ} معناه: أن عادة من حكم العقل أن يتقي نقض العهد؛ حتى يسكن الناس إلى قوله، ويثق بكلامه، وفي نقض العهد إثم كبير، يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} (الصف: 2، 3) يعني: يا أيها الذين آمنوا، وصدقوا الله ورسوله: لم تقولون القول الذي لا تصدقونه بالعمل، فأعمالكم مخالفة لأقوالكم، عظم مقتًا عند ربكم أن تقولوا ما لا تفعلون.
والإسلام يوصي باحترام العهد مع الضعفاء كاحترامه مع الأقوياء فلا يكون ضعف الدولة داعيًا إلى نقض العهد معها، بل لا بد من الوفاء بالعهد، فلا مخادعة، ولا خيانة؛ لأن ذلك منهي عنه، يقول تعالى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ