تقول فيما ذكر أمير المؤمنين؟ فيقول النصراني: ما الدرع إلا درعي، وما أمير المؤمنين عندي بكاذب، فيلتفت شريح إلى علي يسأله، يا أمير المؤمنين: هل عندك بينة؟ هل عندك شهود على أن هذا الدرع إنما هو لك؟ فيقول علي: "أصاب شريح، ما عندي بينة" فيقضي شريح بالدرع للنصراني، فيأخذها، وينصرف، وأمير المؤمنين ينظر إليه، ولا يستطيع أن يقول شيئًا.
ومن المبادئ العامة أيضًا التي كان أساس العلاقة بين المسلمين وبين غيرهم هو: التعاون الإنساني، وفي ذلك نقول:
لا يستطيع إنسان أن يقوم بكل ما يحتاجه لنفسه بنفسه، فلا بد أن يستعين بغيره، كما يستعين به غيره؛ فالإنسان جزء من البيئة والمجتمع، يؤثر ويتأثر، ويتفاعل مع غيره، كما يتفاعل غيره به؛ لأن الإنسان مدني بطبعه، ومادام الناس ينتمون إلى أصل واحد، فذلك أدعى إلى التعاون؛ واختلاف الناس شعوبًا وقبائل لم يكن من أجل أن يتصارعوا، ولكن ليتعارفوا، والتعارف لا يكون إلا بالتفاعل الإيجابي، يقول ربنا -سبحانه وتعالى-: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} (الحجرات: من الآية: 13) والتعاون في الإسلام مبدأ عام في كل الجماعات الإنسانية، يدل على ذلك قوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} (المائدة: من الآية: 2).
والتعاون قوام الأسرة، وقوام الأمة، فلقد دعا النبي -صلى الله عليه وسلم- بالعمل والقول إلى التعاون في علاقة الدول بعضها بالبعض؛ ومما يدلل على ذلك: أنه عندما جاء إلى المدينة عقد مع اليهود حِلفًا أساسه التعاون على البر، وحماية الفضيلة، ومنع الأذى، وكان يطلق على هذا الحلف: "الصحيفة" وقد تضمنت هذه الصحيفة الكثير من الأحكام التي تبين كيفية تحقيق التعاون بين المسلمين واليهود؛ كما عقد النبي -صلى الله عليه وسلم- مع قبائل العرب معاهدات، مبعثها التسامح، وروحها الرحمة، منها صلح الحديبية، وقد عقد تعاونًا دوليًّا في مجال الزراعة مع يهود خيبر، حيث أقرهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على أرضهم، ولهم نصف ما يَخرُج منها من ثمر أو زرع.