أولًا: الوحدة الإنسانية؛ والوحدة الإنسانية تتفرع إلى عدة فروع منها: التساوي في الأصل، وفي ذلك نقول: الناس في الأصل سواء، لا فضل لأحد على الآخر إلا بالتقوى، وأنه لا تفاضل بين البشر بسبب اللون، أو الجنس، أو اللغة، فالكل ينتمون إلى آدم، وآدم من تراب، وفي ذلك يقول الحق -تبارك وتعالى-: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} (النساء: من الآية: 1) فقد دلت الآية الكريمة على أن الخالق واحد، والنفس الإنسانية واحدة، كما وجهت أيضًا الخطاب للناس جميعًا؛ لأنه في شأن عالمي إنساني، وليس خاصًّا بمجتمع إقليمي أو زمني.
ويقول الله -تبارك وتعالى-: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ} (البقرة: من الآية: 213) فهذه الآية تبين أن الإنسانية أمة واحدة، وقد قرر الله تعالى أن الناس جميعًا أمة واحدة، وأن الاختلاف عارض ومنشأه الأهواء، وأن الله -سبحانه وتعالى- أرسل الرسل بالهداية؛ ليحكموا بأمر الله تعالى في هذا الاختلاف؛ وليبينوا لهم طريق الهداية، فيسلكه من تغلب على هواه، ويضل الآخر ويشقى.
ويقول الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ} (الروم: من الآية: 22) فهذه الآية تبين أنه لم يكن اختلاف اللغات والألوان بمانع من الوحدة الإنسانية الجامعة؛ بل إن هذا الاختلاف من سنن الله تعالى في خلق الإنسان، إذ جعل فيه قوة يتكيف بمقتضاها مع بيئته، ويتجاوب، ويقول الحق -تبارك وتعالى-: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} (الحجرات: من الآية: 13) أي: أنكم جميعًا منحدرين من أب واحد، ومن أم واحدة، فلا فضل لأحدكم على الآخر بحسب عنصره، وطبيعته، وإذا كان الله قد جعلكم شعوبًا وقبائل فإنه لم يجعلكم كذلك لتفضيل شعب على شعب؛ أو قبيلة على قبيلة، وإنما ليكون ذلك وسيلة للتعارف.