الدائمة, لراحة الجنود في أثناء الطريق, بعد أن كانوا يقطعون المسافات الطويلة على ظهور الخيل والإبل, ولا يرتاحون إلا في أكواخ مصنوعة من سعف النخل, ثم أنشأ لجنده المدن يسكنونها بعيدين عن أهل الأرض المفتوحة, وأقيمت الحاميات لصد هجمات الأعداء المفاجئة, ثم دون لهم ديوان الجند, وقرر لهم الأرزاق الدائمة, وهذه ميزة الميزات, ومفخرة من مفاخر عمر, وسبب في إنشاء الجيش النظامي.
ومن الأشياء التي أنشأها عمر أيضًا بيت المال:
فلم تكن الحاجة ماسة لوجود بيت المال في عهد الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم؛ لأن الحياة كانت بسيطة, فكانت الإيرادات من الغنائم, والزكاة, وغيرها, ترد للدولة الناشئة, وتوزع في الحال على المستحقين, الذين نزل فيهم قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (التوبة: 60) وفي قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} (الأنفال: من الآية 41) وقد سار أبو بكر سيرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وصنع صنيعه, وجرى الأمر في العهد الأول من خلافة عمر, لكن اتساع رقعة الفتح, زاد في أموال الفيء, كما فتح موردًا آخر أغزر مادة وأبقى, ذلك مورد الخراج, والجزية, وقد بلغت غزارة هذا المال والمورد قبل أن يتم فتح فارس, وقبل أن يبدأ فتح مصر مبلغًا حمل الخليفة عمر في التفكير في إقامة نظام مالي للدولة الناشئة, فكان لا بد من التطوير في نظام الدولة الإسلامية في عهد عمر بن الخطاب؛