ولعل إمارة الجيش قد أصابت من التنظيم الرسمي أكبر من حظ التجنيد, فقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يؤمر الرجل على القوم وفيهم من هو خير منه؛ لأنه أيقظ عينًا, وأبصر بالحرب, وبهذا نفسر اختياره حمزة بن عبد المطلب, وسعد بن أبي وقاص, وخالد بن الوليد, وأمثالهم, لقيادة السرايا سرًّا من أسرار الفوز في جل المعارك التي خاضها المسلمون في حياة الرسول -صلى الله عليه وسلم, أما أبو بكر فقد سار على نهج الرسول -صلى الله عليه وسلم- في ندب الناس إلى القتال عند الحاجة إليهم, وظل يستنفر الراغبين, ولا يُكره المتخلفين.
لكن في ضوء هذه الحالة الاجتماعية التي سادت أطراف الجزيرة العربية, وما جاورها من دول حضارية, لم يكن بد من أن تتغير الحال في عهد عمر بن الخطاب, فنظر عمر بن الخطاب إلى نظام التجنيد نظرة جديدة, فيها ترغيب, وتشديد, أما عن نظرة الترغيب فقد ذكر الناس بجدب الجزيرة العربية, وما ينتظرهم من الفيء في إتمام فتوح العراق, فليست الحجاز لهم بدار فيها الرفاهية, والتقدم, وأما عن نظرة الشدة والترهيب, فقد أمر عمر عماله على الأقاليم بإحضار كل فارس ذي نجدة, أو رأي, أو فرَس, أو سلاح, فإن جاء طائعًا, وإلا حشروه حشرًا, وقادوه مقادًا، أي أمرهم بأن يحضروا إليه كل إنسان قادر على القتال, معه أدوات القتال, حتى ولو لم يرض, واستعجلهم في ذلك بحزمه المشهور قائلًا: لا تدَعوا أحدًا إلا وجهتموه إليَّ, والعجل العجل, يعني أسرعوا في هذا.
لكن عمر كان يفكر بالتجنيد الإلزامي الموقوف للجهاد, فلم يكن ليرضيه تطوع المتطوعين, ولما دون الديوان, ورتب للمسلمين أرزاقهم السنوية, خرجت فكرته