هذا النظام في حياة أفراد الدولة الجديدة يقول تعالى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} (الشورى: من الآية: 38)، وأتاح نظام الشورى في الدولة الجديدة أن يكون نموذجًا للارتباط الوثيق بين الحاكم -مهما كانت وظيفته- وبين المحكوم مهما كان دوره في الدولة، فالجميع -وفق نظام الشورى- شركاء في بناء حياتهم، وتكييف أمورهم حسب المصلحة العامة، وبما يتفق وتطور الزمان والمكان.
وصار نظام الشورى أهم مقياسٍ حرص المسلمون طوال تطور دولتهم على الاعتماد عليه لمعرفة مدى سلامة هذا التطور، وبعده عن الانحراف والأخطاء، وحقق نظام الشورى الانطلاق السليم للدولة الإسلامية الفتية؛ حيث أتاح لأبنائها على عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم- ممارسة حقوقهم، وواجباتهم، والتعبير عن الروح الديمقراطية التي سبق أن فطر عليها العربي بأسلوبٍ أوسع، وأكثر دقةٍ، ونظام.
ومن المبادئ الأساسية أيضًًا التي أرساها النبي -صلى الله عليه وسلم- في المدينة: إقرار نظام المسجد؛ ليكون مركزًا لاجتماع أبناء الدولة الجديدة، لا من أجل شئونهم الدينية فحسب، ولكن ليكون مقرًًا لتصريف شئونهم العامة والخاصة، ومقرًا أيضًًا للسلطان الجديد، وما يرتبط به من مظاهر، وما يصدر عنه من أفعالٍ، وكان نظام المسجد الذي وضعه الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- نظامًًا مبسطًا في مبناه ومعناه، ولكن صار بتطور الدولة الإسلامية نموذجًا احتذاه المسلمون سواء في فن عمارة المساجد، أو في ميدان الحياة العامة.
واجتهد المسلمون على تقليد هذا المسجد طوال تطور دولتهم حريصين على الإبقاء على قواعده الأساسية، وغدت التشريعات التي أعلنها الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- من هذا المسجد ينبوعًا حرص المسلمون على أن ينهلوا منه مع تلمس الهداية،