وحفلت صور القرآن الكريم التي نزلت على الرسول في المدينة بالتشريعات التي شدت من أزر الدولة الإسلامية الوليدة، وخلقت منها قوةً متحركة حيوية، قادرةً على أن تتفوق على ما حاط بها من مجتمعٍ قبليٍ جامدٍ راكدٍ.
ومن النظم الأساسية أيضًًا التي، وضعها النبي -صلى الله عليه وسلم- اعتبار نظام المواطنة، وحقوقها أساسه الهجرة لمقاومة الباطل بدلًا من العصبية القبلية، فالولاء للدولة الإسلامية الجديد، والتمتع بحقوق المواطنة فيها أساسه الهجرة إليها، والاقتداء بما قام الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- في الهجرة من مواطن الشرك، والضلالة القبلية إلى وطن الهدى، ونصرة الدين، وكرامة الإنسان، ونزلت الآيات القرآنية التي تؤكد هذا النظام الجديد في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا} (النساء: من الآية: 97) وقال -سبحانه وتعالى-: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجَرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلًايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا} (الأنفال: من الآية: 72)، وبدأت فكرة المواطنة بمعناها المثالي ترتبط بالدولة الإسلامية الوليدة، وتدعم الروابط بين أبنائها على أسس راسخة متينة.
ومن النظم الأساسية التي وضعها النبي -صلى الله عليه وسلم- في المدينة أيضًًا إقرار نظام الشورى؛ لتقوية روح الجماعة الجديدة، وتدريبها على تقديم المصلحة العامة على المصلحة الفردية؛ فالتشريع السماوي الذي جاء به القرآن الكريم لا يعني حرمان الناس من المشاركة في تنظيم أمورهم، وإنما يفتح هذا التشريع كافة السبل أمام أعضاء الدولة الجديدة لإبداء الرأي في جميع المسائل -وبخاصةٍ ذات الأهمية العامة.
وأوضحت الآيات القرآنية ضرورة الشورى يقول -تبارك وتعالى-: {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} (آل عمران: من الآية: 159)، وفي قوله تعالى مؤكدًا أهمية