يتعرض للقضاء, أو الأحكام, أو لجباية الخراج, أو الصدقة في شيء, حتى الإمامة في الصلاة, فربما كان القاضي أولى بها منه.
وساعد الأمير في تصريف الشئون الإدارية في البلاد المفتوحة رجالات الإدارة القديمة الذين احتفظ بهم الخليفة عمر بن الخطاب, سواء ممن كانوا يعملون في الإدارة البيزنطية, أو الساسانية؛ إذ أدرك هذا الخليفة بما أوتي من عقلية إدارية فذة أن توجيه دولته لما فيه الصالح العام يقتضي أن لا تشلَّ الإدارات القديمة, أو يبطل عملها في تلك الأقاليم التي استظلت بظل الإسلام, فاستقرار أحوال الدولة الإسلامية الفتيَّة يقتضي الاستفادة من تجارب الإدارة, والحكم, سواء عن البيزنطيين, أو الساسانيين, ونال عمر بن الخطاب بذلك لقب المؤسس الثاني للدولة الإسلامية, بعد الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم.
وأظهر عمر بن الخطاب تقديره للنظم الإدارية التي وجدها في البلاد المفتوحة, منذ زيارته لإقليم الشام؛ إذ وضع لهذا الإقليم تقسيمًا إداريًّا, جاء نموذجًا للجمع بين النظم الإسلامية, والبيزنطية, واستمرار الإدارة لحماية البلاد, وأمنها, فاحتفظ بالتقسيم الإداري الذي كان سائدًا هناك من قبل, وهو نظام كان ذا طابع خاص, يجمع فيه حاكم الإقليم إلى جانب مهامه المدنية سلطاتٍ حربية, فأبقى على هذا الوضع, وأطلق على تلك الأقسام الاسم العربي الأجناد جمع جند, وهي مرادفة للكلمة اليونانية بنود عند البيزنطيين, فصارت الأجناد تعني الأقاليم الحربية, التي يقيم في حاضرة كل منها فيلقٌ من فيالق الجيش, على نفس الأسس الإدارية التي سادت النظام البيزنطي.
وتعتبر ولاية مصر على عهد الخليفة عمر بن الخطاب نموذجًا كاملًا للنظام الإداري المركزي, من حيث قواعده, ومؤسساته, والطابع الإسلامي الجديد,