وفي هذا المجال ضرب الأنصار والمهاجرين أمثلة رائعة تدل على عظمة الحب في الإسلام، روى البخاري -رضي الله عنه- عن أنس قال: "قدم عبد الرحمن بن عوف إلى المدينة، فآخى النبي -صلى الله عليه وسلم- بينه وبين سعد بن ربيع الأنصاري، فعرض سعد عليه أن يناصفه أهله وماله، فقال عبد الرحمن بارك الله لك في أهلك ومالك، لكن دلني على السوق".

ولقد مدح القرآن الكريم هذه المؤاخاة، وهذا الحب في الله، فقال تعالى: {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (آل عمران: من الآية: 103).

الجانب الثاني: تحقيق الوحدة السياسية في مجتمع المدينة ككل، بعد أن آخى النبي -صلى الله عليه وسلم- بين المهاجرين والأنصار سعى بكل جهده، وما يملك إلى القضاء على جذور العداوة القديمة التي كانت تشعل نيران الحروب بين قبيلتي الأوس والخزرج؛ ولأن الرسول -عليه الصلاة والسلام- يعرف طباع اليهود، وغدرهم فقد حاول أن يؤمن المسلمين منهم كما سعى -عليه الصلاة والسلام- إلى أن يحقق لهم الأمان على أنفسهم، ولتحقيق ذلك جمع سكان المدينة من مهاجرين وأنصار ويهود، وتشاور معهم، وانتهوا إلى تكوين اتحاد يضم أهل المدينة جميعًا، وكتب عليه الصلاة والسلام بين المهاجرين والأنصار كتابا، واعد فيه اليهود وعاهدهم، وأقرهم على دينهم وأموالهم واشترط عليهم شروطًا، وشرط لهم، وكان هدف الرسول من ذلك أن تصبح المدينة وحدة متكاملة تدافع عن نفسها، وترعى مصالحها، وتعد هذه الوثيقة في مبادئها من أعظم ما عرف العالم من مبادئ حقوق الإنسان على مر التاريخ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015