2 - كان على رأس الحبشة النجاشي، وهو ملك اشتهر بعدالته، كما اشتهر بقوة شخصيته وحصافة عقله، مما يجعل له وزنا عالميًّا، ومن ثم فإن استقطابه إلى قضية الإسلام مكسب ذو قيمة؛ لأنه صاحب نحلة سماوية، وكتاب مقدس، هذا إلى جانب أن المسيحي على عهده لم تكن صافية الجوهر، وإنما دخلها التحريف والتغيير كما دخلتها الوثنية، مما يجعل رجلًا كالنجاشي بما اشتهر به من عقل يقتنع بالإسلام حين يعرض عليه كدين سماوي نظيف لم يدخله التحريف.
3 - من ناحية أخرى، فإن استقراء الأحداث ينبئ عن أنه لا خوف على المسلمين من المسيحية التي كانت سائدة في الحبشة آنذاك؛ لأنها كانت مليئة بالأطماع والوثنيات، ومن أين يجيء الخوف على رجال رباهم الرسول على التوحيد، وغرس حقائق الإيمان في نفوسهم، فتركوا من أجله ديارهم وأموالهم، إن أمثال هؤلاء ما كانوا ليستبدلوا الإسلام بمسيحية أو غيرها، مهما كان حجم الإغراءات.
وبناء على هذا التقدير الدقيق للموقف، أذن الرسول لأصحابه بهجرة مؤقتة إلى الحبشة، وصدر القرار النبوي بقوله -عليه الصلاة والسلام- لأصحابه: ((لو خرجتم إلى الحبشة فإن بها ملكا لا يظلم عنده أحد، وهي أرض صدقا، حتى يجعل الله لكم مخرجا)) وكان هذا الإذن يحمل في كلماته كل مواصفات القرار الجيد، فهو أولا: أوضح لهم أن هذه هجرة مؤقتة بقوله: ((حتى يجعل الله لكم مخرجا)) ومن ثم فهي ليست هجرة دائمة.
وثانيًا: تضمن القرار المعلومات التي تجعل من ينفذوه على اقتناع به، جاء في كلامه، فإن بها ملكا لا يظلم عنده أحد، وهي أرض صدق،