وغدت يثرب بفضل هذا الرئيس المقرئ تشهد طلائع تنظيمٍ سياسيٍ جديد يقوم على أساس الدين بدلًا من العصبية القبلية، ورابطة الدم، وظهرت قوة هذه الطليعة بالتنظيم السياسي الجديد للمسلمين حين وفد مصعب على مكة في العام التالي للحج، ومعه وفد من ثلاثةٍ وسبعين رجلًا، وامرأتين، وقابلوا الرسول -صلى الله عليه وسلم- عند العقبة؛ حيث بايعوه بيعة العقبة الثانية الشهيرة، إذ تجلت في هذه البيعة قيام الالتزام المتبادل بين الرسول -صلى الله عليه وسلم- وبين مسلمي يثرب، وفق التنظيمات الجديدة التي دعت إليها التعاليم الإسلامية؛ إذ بدأ الانتقال من النظام القبلي إلى النظم الإسلامية يدخل مرحلة التنفيذ العملي، والاختبار في نفس الوقت حين تبادل الرسول، ومسلمي يثرب العهود والمواثيق على النصرة والتأزر.

وكان العباس بن عبد المطلب قد حضر مع النبي اجتماع العقبة الثانية، واستهل الحديث إذ ذاك رغم أنه لم يكن قد أسلم بعد؛ ليأخذ المواثيق من أهل يثرب للرسول -صلى الله عليه وسلم- فقال: "يا معشر الخزرج إن محمدًا منا حيث قد علمت، وقد منعناه من قومنا ممن هو على مثل رأينا فيه؛ فهو في عزٍ من قومه، ومنعةٍ في بلده، وإنه قد أبى إلا الانحياز إليكم، واللحوق بكم، فإن كنتم ترون أنكم موافون له بما دعوتموه إليه، ومانعوه ممن خالفه؛ فأنتم وما تحملتم من ذلك، وإن كنتم ترون أنكم مسلموه، وخاذلوه بعد الخروج به إليكم؛ فمن الآن فدعوه؛ فإنه في عزة، ومنعة من قومه، وبلده" وأجاب رئيس وفد الخزرج على قول العباس بقوله: "قد سمعنا ما قلت: فتكلم يا رسول الله" فخذ لنفسك وربك ما أحببت" وتلا الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- بعض آيات من القرآن.

ثم قال: ((أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم، وأبناءكم)) وأخذ سيد القوم، وهو البراء بن معرور بيد الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- وقال له: نعم، والذي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015