الوفد الخزرجي مع الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- مدى استجابة قبيلة الخزرج لمبدأ اتساعٍ واجب الفرد إلى خارج نطاق القبيلة على نحو ما تدعوا إليه تعاليم الإسلام، وصلاحية هذا المبدأ لأن يكون طليعة التنظيم السياسي للمسلمين في يثرب يعتز به الرسول شخصيًا؛ فقالوا للرسول -صلى الله عليه وسلم-: يا رسول الله، إنا قد تركنا قومنا، ولا قوم بينهم من العداوة، والشر ما بينهم؛ فعسى أن يجمعهم الله بك؛ فسنقدم عليهم فندعوهم إلى أمرك، ونعرض عليهم الذي أجبناك إليه من هذا الدين فإن يجمعهم الله عليه؛ فلا رجل أعز منك.

وبدأت الدعوة الإسلامية، ومفاهيمها تلقى استجابة بين أهل يثرب، حتى إذا ما وافى موسم الحج التالي حضر وفد من أهل يثرب يضم اثني عشر شخصًًا؛ تسعة من الخزرج، وثلاثة من الأوس، وقابلوا الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- عند العقبة بين منى، ومكة، وبايعوه على الإسلام، وجاء تكوين هذا الوفد من الخزرج، والأوس دلالة على اتساع مفهوم واجب الفرد، وأنه لم يعد يقتصر على القبيلة.

ثم إن الرسول -صلى الله عليه وسلم- خطى خطوة تنظيمية أخرى كان لها أثرها في النظام السياسي لجماعة المسلمين؛ إذ بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- مع هذا الوفد -عند عودته إلى يثرب- أحد الصحابة السابقين في الإسلام، وهو مصعب بن عمير من بني عبد الدار؛ ليقرئهم القرآن، ويفقهم في الدين، واشتهر هذا الصحابي في يثرب باسم المقرئ، وهو لقب يدل على اتجاهٍ جديدٍ في الرئاسة من أجل تنظيم الدعوة الإسلامية على أسسٍ بعيدة عن العصبية القبلية؛ إذ تولى هذا المقرأ إمامة الناس في الصلاة من أوس وخزرج؛ تفاديًا لإثارة النعرات القبلية، كما استطاع بأمانته في السير على نهج الرسول -صلى الله عليه وسلم- من حيث التدرج، والأناة أن يكسب إلى جماعة المسلمين في يثرب أكبر زعيمين في قبيلة الأوس، وهما: سعد بن معاذ، وأسيد بن حضير.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015