وهو ما يؤكده حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- إذ يقول -صلى الله عليه وسلم-: ((ما أكل أحد طعامًا قط خيرًا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود -عليه السلام- كان يأكل من عمل يده)) كما قال -صلى الله عليه وسلم-: ((أطيب الكسب عمل الرجل بيده)) وينبهنا سبحانه وتعالى إلى أن الفرائض الدينية لا تحول دون السعي لكسب الرزق؛ فيقول -سبحانه وتعالى- بمناسبة أداء فريضة الجمعة وهي صلاة جماعية: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} (الجمعة: 10) وحين يأمرنا الإسلام بالعمل لكسب الرزق فإنه ينشد الكسب المشروع والحلال، فيقول- سبحانه وتعالى-: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالًا طَيِّبًا} (البقرة: من الآية: 168) كما يقول -تبارك وتعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} (النساء: من الآية: 29).
كما روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قوله: ((طلب الحلال واجب على كل مسلم)) والإسلام يفرض العمل؛ وسيلة للكسب؛ صيانة لكرامة الإنسان، وحتى يقي نفسه مذلة السؤال والحاجة، وهو ما تفصح عنه أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- إذ روي عنه قوله: ((لأن يأخذ أحدكم حبله، فيأتي بحزمة حطب فيبيعها فَيَكفَّ بها وجهه، خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه)) وقد رُوي: ((أن صحابيين جاءا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهما يحملان أخًا لهما، فسألهما النبي -صلى الله عليه وسلم- عنه، فقالا: إنه لا ينتهي من صلاة إلا إلى صلاة، ولا ينتهي من صيام إلا إلى صيام، حتى أدركه من الجهد -أي: من التعب- ما ترى يا رسول الله، فقال -صلى الله عليه وسلم-: من يرعى إبله؟ ويسعى على وِلده؟ فقالا: نحن، فقال: أنتما أعبد منه)).
وروي أنه مَرَّ على النبي -صلى الله عليه وسلم- رجل نشط قوي، يقصد وِجهة معينة -يعني: يتجه إلى مكان معين- فقال له أصحابه: يا رسول الله لو كان -أي: تمنى الصحابة- هذا في سبيل الله -أي: قوته ونشاطه، يعني: الصحابة كانوا يتمنون أن يكون