أما إذا كان هذا الثائر لا يستهدف العودة إلى حكم القانون وإنما يبغي أيضًا الاستيلاء على السلطة -فلا تكون النصرة واجبة؛ لأن كل منهما ينازع الآخر فيما لا يحلّ له، ولا يجب مساعدة أي منهما أو نصرته، أما إذا كانت السلطة العامة تولت بالطرق المطابقة لأحكام الشرع والتزمت بأحكام الشريعة الإسلامية -فيجب على المسلمين نصرتها ضدّ أي تمرد يقع على هذه السلطة، كما يجب ضرب أي محاولة تستهدف الاعتداء على نظام الحكم الموجود، وإذا كان سبب الخروج عليها وقوع بعض الظلم عن طريقها فيجب حتى تنال نصرة المسلمين أن تقلع عن الظلم الواقع منها فورًا؛ لأن الخروج بسبب الظلم لا يعدّ بغيًا وتمردًا على السلطة.
الثالث من حقوق الإمام:
ومن حقوق الإمام أيضًا أن يكون له أموال في مال المسلمين بما يكفيه ويكفي أهله، يعني: عمل راتب له يكفيه ويكفي أهله من غير سرف ولا تقتير؛ لأنه قد اشتغل بمصالح المسلمين العامة ليله ونهاره، ولم يعد لديه من الوقت ما يتكسب فيه لأهله ونفسه، وقد روى ابن سعد في (الطبقات) أنه لما استخلف أبو بكر -رضي الله عنه- أصبح غاديًا إلى السوق وعلى رقبته أثواب يتّجر به فلقيه عمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح -رضي الله عنهما- فقالا له: أين تريد يا خليفة رسول الله؟ قال: السوق، قال: تصنع ماذا وقد وليت أمر المسلمين؟! قال: من أين أطعم عيالي؟ قال له: انطلق حتى نفرض لك شيئًا، فانطلق معهما ففرضوا له كل يوم شطر شاة -أي: نصف شاة- ولما وجد أبو بكر أن ما خصص له لا يكفيه طلب من المسلمين أن يزيدوه فزادوه بخمسمائة درهم.