بحكمهم على وفق أحكام شريعة الإسلام, ويجب على الطرف الأول, وهو الأمة, بذل الطاعة والانقياد له فيما لا يخالف أوامر الشرع ونواهيه.
وإذا كان مفكرو الإسلام قد بينوا أن العلاقة بين الحاكم والمحكومين مبينة على عقد بينهم وبينه, فإنهم بذلك يكونون قد سبقوا الفكر الغربي في البحوث القانونية السياسية؛ إذ إن (جان جاك روسو) الذي يعتبر في نظر أوروبا أبًا لديمقراطية الحديثة بكتابه (العقد الاجتماعي) الذي كان بمثابة الإنجيل لدى زعماء الثورة الفرنسية, والذي ضمنه نظريته القائلة: إن الحاكم يتولى سلطاته من الأمة نائبًا عنها, بناءً على تعاقد حرر بنيهما, إذ إن (روسو) هذا قد سبقته النظرية الإسلامية بقرون عديدة, وإذا كان المفكرون الإسلاميون قد سبقوه, وسبقوا غيره, وتكلموا عن العقد بين الحاكم والمحكوم, فإنهم بذلك يكونون هم الرواد في هذا الميدان الفكري الهام, وبخاصة وأن العقد الذي يتكلم عنه (روسو) عقد تخيل حدوثه في العصور الساحقة, ولم يقم من الشواهد التاريخية ما يمكن أن يكون برهانًا حقيقيًّا عليه, بخلاف العقد الذي تكلم عنه مفكرو الإسلام, فإنه عقد حقيقي ثابت, من يوم أن وُجد نظام الخلافة, وكانت بيعة الأمة صورة لتحقيقه.
ومن ناحية أخرى فإن النظرية الإسلامية ليس فيها أفراد تنازلوا عن شيء من حرياتهم وسلطاتهم, وإنما لدينا أمة مكلفة وكلت عنها بعض أفرادها لرعاية صوالحها, وليس في الوكالة تمليك, ولا مظنة تمليك, والبيعة عقد يقيد الحاكم بدستور خاص, ويحدد له حدود مهمته, فإذا التزم شروط العقد فله حق الطاعة على المحكومين, فإذا جاوز ما عين له وخرج على الشرط انعزل من الوكالة, وخرج من العهدة بنفسه, أو بعزل الشعب الذي ولاه.