النزاعات في الجماهير, واتجاهاتهم المتباينة, قد يجعل من المقبول الادعاء بأن البرلمان يمثلهم في بعض مسائل معينة لمدة قصيرة, وأن الادعاء بأن البرلمان يمثل جماهير الأمة طوال الوقت فإن هذا لا يعدو أن يكون نوعًا من السيادة للنائبين على المنوب عنهم.
وبعد فقد تبين مما ذكرناه أن ادعاء أن التنظيمات البرلمانية تمثل إرادة الجماهير, وتعبر عن الرأي العام, ادعاء غير مُسَلم؛ للأسباب التي ذكرناها, يتبين لنا مما سبق أن تخصيص جماعة معينة في النظام الإسلامي لانتخاب رئيس الدولة هو نوع من المثالية التي ينشدها الإسلام في تشريعاته, يعني كون هناك جهة معينة, أو جماعة معينة, يطلق عليهم أهل الحل والعقد, يقومون باختيار رئيس الدولة, هذا هو الأمر المهم, وهذا أفضل بكثير مما هو موجود في القوانين الوضعية, ونظم الانتخابات الوضعية, التي تبين لنا فشلها فيما قدمنا.
ولكن هل يُنتخب أفراد هذه الجماعة التي تقوم باختيار رئيس الجمهورية, أم يُكتفي باستفاضة أخبارهم, أو أخبار فضلهم, وعلمهم, وتقدمهم بين جماهير الأمة, هذا من الموضوعات الخلافية بين الفقهاء.
الرياسة عقد كسائر العقود:
لا يفوتنا أن نشير هنا إلى أن فقهاء الإسلام, ومتكلميه, قد قرروا أن الإمامة عقد كسائر العقود التي تتم بين الطرفين, والأمة هنا هي الطرف الأول, والرئيس أو الإمام هو الطرف الثاني, فالإمامة عقد حقيقي مبني على الرضا, قائم بين الأمة والإمام, يجب بمقتضاه على الطرف الثاني, وهو الإمام أو الرئيس, السير