نقول: هذا أمر زائد عن الحاجة؛ إذ يكفي -في رأينا- أن يكون الإمام صائب الرأي بالمعنى الذي وضحناه آنفًا عند الكلام على شرط الرأي؛ حتى يفوض عنه أمور الحرب إلى القادة الأكفاء الذين يثق في مقدرتهم على القيام بما هو موكول إليهم من التخطيط للحرب وخوض المعارك, فمصالح الأمة قد تعددت وتنوعت وكل ناحية فيها تحتاج إلى متخصصين متفرغين للقيام بالواجب في شأنها, وإذا كان الأمر كذلك فباستطاعة الإمام أن يفوض إلى القادة المشهود لهم بالكفاءة ما يتصل بأمر الحرب من تجهيز الجيوش, وخوض المعارك وغير ذلك, وأن يفوض ما يتصل بالقصاص وإقامة الحدود إلى سلطات خاصة, كما هو متبع الآن في العقوبات, إذ تقوم بها وتشرف علي كل ما يتصل بها السلطات القضائية والتنفيذية في الدولة.
ولكن ليس معنى ذلك جواز تولية من يعتريه الجبن أو ينتابه الخور عندما يصبح لزامًا عليه أن يقدم على إصدار أوامر تحتاج إلى رباطة الجأش, كإعلان الحرب على عدو مثلًا مع تحمل تبعاتها, بل إن هذا الوصف لو كان فيه لكان كافيًا لإقصائه عن منصب الإمامة, حتى لو توافرت فيه الشروط الأخرى؛ إذ إنه بجبنه وضعفه يكون عاملًا من عوامل طمع الأعداء في دولة الإسلام, في حين أن من المفروض على الإمام الحفاظ على الدين وعلى أرض المسلمين.
وسوف ندرس هذه المذاهب بأدلتها في المحاضرات القادمة -إن شاء الله.
ونكتفي بهذا القدر من هذه المحاضرة, أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
3 - شروط رئيس الدولة (3)
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد, وعلى آله, وأصحابه, ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فقد تحدثنا في المحاضرات السابقة عن شروط الإمام الأعظم أو رئيس الدولة, وبينا أنه يشترط فيه الإسلام, والبلوغ, والعقل, والحرية, والذكورة, والاجتهاد, والعدالة, وصحة الرأي في السياسة, والإدارة, والحرب, والكفاية الجسمية, والكفاية النفسية, وبقي شرطان نتحدث عنهما الآن, وهما شرط القرشية, وشرط تقديم الأفضل.
فبالنسبة لشرط القرشية, بمعنى أن يكون الإمام من قريش, فنقول -وبالله التوفيق:
هذا الشرط هو أحد الشروط الذي اختلف العلماء فيها اختلافًا كبيرًا, حتى أن فرقة مشهورة من فرق المسلمين هي فرقة الخوارج, صار أحد ما يشتهر به هو