وإذا كان اشتراط الرأي بالمعنى السابق فيه من المبالغة بعض الشيء, فإننا لا نقول -كما يقول البعض- بالاستغناء عن هذا الشرط مطلقًا, والاكتفاء باستشارة أصحاب الآراء الصائبة؛ إذ إن الرئيس في كل حال مطالب بالسير على مبدأ الشورى, فالاستشارة من واجباته المفروضة عليه, بل نقول: لا بد في الرئيس من وجود صفة الرأي بمعنى أن تكون عنده مقدرة اتخاذ الحكم الصائب عند وضوح المشاكل السياسية والحرب والإدارة أمامه, وذلك بعد استشارة المتفرغين لهذه المشاكل من رجال الحرب والإدارة والسياسة, وبعد الاطلاع على كافة البحوث التي تتعلق بمشكلة ما من المشاكل التي تعترض الأمة, فمن المشاهد الآن أن أمور الدول سائرة سيرها الطبيعي مع استعانة رؤسائها بالأجهزة المختلفة في شتى نواحي الإدارة والحرب, وللرئيس الأعلى بعد ذلك الرأي النهائي بعد وضوح ما يتصل بمسألة من المسائل أمامه, وسواء في ذلك الدول التي تقف الآن على قمة الحضارة الإنسانية, والدول التي لا زالت تحبو على طريق المدنية والتقدم, ولا خروج بهذا الرأي على قاعدة شرعية, أو على حكم مقرر من الشرع؛ إذ إن شروط الإمامة ليس فيها شروط نص عليها الشرع سوى شرط واحد وهو شرط القرشية, وما عدا هذا الشرط فقد اشترطه العلماء نظرًا إلى الحاجة إليه, وتختلف وجهات النظر في كون الحاجة ماسة أم لا, ولذلك جاء الاختلاف في اشتراط بعض الشروط بين بعض أهل السنة وبعضهم الآخر.

ثم إنه يجب أن ننبه إلى أن هذا ليس معناه عدم اشتراط هذا الشرط بالمعني الذي حدده الفقهاء, وهو أن يكون ذا رأي وبصيرة بتدبير الحرب والسلم, وترتيب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015