والقاعدة الثالثة من القواعد التي حاول وجاهد النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يرسيها في مكة هي: اتخاذ التقوى بدلًا من العصبية القبلية أساسًا لبناء قيمٍ أخلاقية سامية تتعدى مجالاتها حدود القبيلة، وتتسع في نفس الوقت لا لتشمل العرب فحسب بل وجميع الأمم المجاورة لهم أيضًا فالتقوى في الإسلام تقرر مقاييس أخلاقية جديدة، لبناء مجتمعٍ لا تسوده المقاييس القبلية الله -تبارك وتعالى- يقول: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} (الحجرات: من الآية: 13) فإذن: الله -تبارك وتعالى- يبين في هذه الآية أن أساس التفاضل بين البشر إنما هو تقوى الله -تبارك وتعالى- والعمل الصالح، وأن التمايز عن طريق الجنس أو اللغة أو الدين أو غير ذلك كل ذلك أمور لا ينظر إليها الإسلام وإنما ينظر إلى التقوى فقط {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}.
والنبي -صلى الله عليه وسلم- أيضًا يبين أنه ليس لأبيض على أسود فضل إلا بالتقوى والعمل الصالح، ويقول -صلى الله عليه وسلم-: ((الناس سواسية كأسنان المشط، لا فضل لأحد على آخر إلا بالتقوى)) ولذلك شريعة الإسلام جاءت لتسوي بين الناس، وأنهم متساوون فيما بينهم أمام الله -تبارك وتعالى- لكن الذي يميز بين فردٍ وآخر إنما هو التقوى التي نص عليها الله -تبارك وتعالى- في الآية التي ذكرناها {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} فالشعوب والقبائل في الإسلام ليست وحدات منعزلة، وإنما هي تكون مجتمعات يستوي الناس فيها أمام الإسلام بصرف النظر عن أصلهم وجنسهم، وأن الفارق بين الناس هو فارق أخلاقي، لا يقوم على أساس الوراثة، كما دعت إليه العصبية القبلية، وأن كل فردٍ ينال ما يشاء من رفعت لا على أساس الحسب والنسب والثراء، ولكن على قدر كسبه وبره وتقواه.
وبدأت التقوى في الإسلام وما حوته من مقاييس أخلاقية، تنظم العلاقات بين الناس على قواعد جديدة، وتخرجهم من ظلمات النظم القبلية التي بلغت