لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى} {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} وهذا بخلاف ما كان عليه العمل في النظم القبلية في الجاهلية، فالمسئولية الفردية لم تكن معروفة، وإنما كانوا يأخذون الشخص بجريرة غيره وبذنب غيره، وذلك كما كان حادثًا بالنسبة للأخذ بالثأر.
فالإسلام يقرر أن القاتل يقتل، لكن هؤلاء إن لم يتمكنوا من قتل القاتل كانوا يقتلون أي فرد من أفراد عائلته، وهذا أمر يأباه الإسلام، وهدمه الإسلام بالعقيدة التي جاء بها وهي: المسئولية الفردية للشخص، والقرآن الكريم يصور يوم البعث والحساب تصويرًا يؤكد للإنسان أهمية المسئولية الفردية، وأن هول ذلك اليوم ينسي كل مرضعة ما أرضعت، وأن لكل امرئ يومئذٍ شأن يغنيه فيخرج لكل إنسانٍ يوم القيامة كتابًا يلقاه منشورًا مكتوب فيه: {اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً} (الإسراء: 14) وأيضًا {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} (عبس: 34 - 36) {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} (الحج: 2).
وهكذا هدمت عقيدة البعث والحساب وما اقترن بها من المسئولة الفردية، هدمت رابطة العصبية القبلية القائمة على الدم، وأحلت مكانها مسئولية جديدة تجعل من الإنسان نواة لوحدة يمكن أن تتسع على أساسٍ من مراعاة الضمير وتقوى الله في السر والعلن، ونعني بها: الوحدة التي يقف الفرد فيها إلى جانب الآخر كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضًا، ولذلك يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)) ويقول -صلى الله عليه وسلم-: ((المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا)).