الإمامة العظمى، لكنه لم يُرِدْ به علم المجتهد كما هو المراد به عند أكثر العلماء، عندما يعبرون عن شرط الاجتهاد بالعلم، فإن جمهور العلماء إذا ذكروا العلم من بين الشروط الواجب توافرها في الإمامة، يبيّنون أن مرادهم بذلك هو علم المجتهد، فسواء عبروا بالمجتهد أو عبّروا بالعلم سيان عندهم، فكلمة العلم تساوي المجتهد، وهذا بخلاف الأحناف الذين يجعلون العلم شيئًا والاجتهاد شيئًا آخر؛ ولذلك قلنا: الرأي المعمول به عندهم أنهم لا يشترطون في الإمام الأعظم أو رئيس الدولة أن يكون مجتهدًا. نقول فالعلماء الذين يعدون الاجتهاد شرطًا من شروط الإمامة، تارةً يعبّرون عن هذا الشرط بالاجتهاد، وتارةً يذكرون العلم ويريدون به علم المجتهد -كما بينا- وأما الكمال بن الهمام -وهو من أئمة الفقه الحنفي- فلم يرد به علم المجتهد، بل أراد به علم المقنت في الأصول والفروع، وهذا فرقٌ بين العلم والاجتهاد عندهم.
ثم أن جمهور العلماء باشتراطهم الاجتهاد في الإمام، فإنما يعنون بذلك أن يتحقّق فيه الأمور الآتية بعد توافر شرط الإسلام، يعني لا بد من توافر الأمور الآتية حتى نقول على الإمام أنه مجتهد:
أَوّلًا: أن يكون عارفًا باللغة العربية المقدار الذي يستطيع بواسطته فَهم آيات الأحكام وأحاديثها؛ وذلك لأن القرآن والسنة -وهما المصدران الأولان للأحكام الشرعية- عربيان -أي باللغة العربية- ولا يستطيع المجتهدُ أن يفهم الأدلّة إلّا إذا كان على علمٍ باللّغة العربية.
ثانيًا: أن يكون على علم بآيات الأحكام، فيعرف معناها، وما يتعلق بها من عموم وخصوص، وإجمال وتفصيل، وإطلاق وتقييد، وحقيقة ومجاز، وناسخ ومنسوخ ... إلى غير ذلك، لا بدّ وأن يكونَ على علم بهذه الآيات.