وجاهد الرسول الكريم في مكة على أن يرسي القواعد التالية، وفق ما جاء به القرآن الكريم: أول قاعدة من هذه القواعد التي أراد النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يقوم بإرسائها بعد نزول القرآن الكريم في مكة: الدعوة إلى وحدانية الله خالق كل شيء، واتخاذ هذه العقيدة الدينية الأساس لبناء مجتمعٍ جديد له نظمه وله مثله العليا، التي تقف على طرفي نقيض مع المجتمع القبلي وما سيطر عليه من نظم وتقاليد وليدة العصبية، وهي أمور صارت تعرف في المصطلح الإسلامي والدعوة الإسلامية، باسم: دعوى الجاهلية.
فالدعوة إلى وحدانية الله كانت المعول الذي انقض على الجمود الجاثم على الحياة القبلية، وكانت سبيلًا لإيقاظ الفكر وتحريره من الرقود المقترن بروح المحافظة التي تدعو إليها النظم القبلية، وأوضح القرآن الكريم أهمية هذه الدعوة الجديدة، وأن العرب لم تكن لهم بها معرفة من قبل، فقال تعالى: {وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ} (سبأ: 44) واقترنت الدعوة إلى وحدانية الله، بضرورة إعمال الفكر وعدم الجري والانقياد الأعمى بما تدعو إليه النظم القبلية من تمسكٍ بتراث الآباء والأجداد ولو كانوا على غير هدي، وندد القرآن الكريم بهذا الجمود في كثيرٍ من الآيات فقال تعالى: {إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الأَوَّلِينَ} (الصافات: 69 - 71) وحث القرآن الكريم في نفس الوقت على التدبر والنظر وإعمال الفكر، وأن إثبات وجود الله ووحدانيته يظهر للإنسان بالنظر العقلي في آيات الخالق، من ترابط الوجود وقوانين الطبيعة، بل وفي تأمل الإنسان نفسه لما وهبه