وإما أن دفع الضرر واجبٌ؛ فهذا متفقٌ عليه بين العقلاء جميعًا، ونرى العلماء بعد أن يقرروا الدليل هكذا يجيبون على ما يمكن أن يَعترض به معترض، فيقول المعترض: إنكم تقولون: إن نصب الإمام فيه دفع الضرر المظنون، ونحن نقول: بل في نصب الإمام ضرر مظنون، وهو منفي بقوله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا ضرر ولا ضرار)) وبيان أن في نصب الإمام أضرارًا من ثلاثة أوجه، أي أنهم يبيّنون أو أن جمهور الفقهاء يقولون بأن نصب الإمام فيه دفع للضرر المظنون؛ لأن الناس لا يستطيعون العيش في مجتمع إلا إذا وُجد من يقوم على أمرهم، ويمنع الظلم -أي ظلم بعضهم لبعض- ويؤدي الحقوق إلى أصحابها.
هناك اعتراض من الذين يقولون بأنه لا يجب نصب الإمام، وهذا الاعتراض ينصب على أنه قد يكون في نصب الإمام ضَرَرٌ، وبيّنوا ذلك من وجوه:
- قالوا أن الإنسان إذا وُلِّيَ غيره عليه في الأمور التي يهتدي إليها، والأمور التي لا يهتدي إليها، فيه من الإضرار ما هو ظاهر، يعني أن الإنسان بطبعه لا يريد الرياسة.
- أيضًا أن بعض الناس قد يستنكفون عن تولية غيرهم عليهم، كما هي عادة الناس، وهذا يؤدي إلى التنازع وحدوث الفتن بين أفراد الأمة.
- وأيضًا بما أن الإمام معرض للخطر فيمكن أن يحدث الفسق، بل من الممكن أن يحدث منه الكفر، فإن لم تقم الأمة بعزله أضر بها بفسقه وكفره، وإن عزل أدى ذلك إلى تهييج الفتن والاضطرابات.
نقول: هذا ما يمكن أن يعترض به المعترِض على هذا الدليل، لكنّ أصحاب الرأي الأول -وهم جمهور الفقهاء- يجيبون على هذا بأن الإضرار اللازم من ترك نصب الإمام أكثر بكثير من الإضرار الحاصل من نصبه؛ ولذلك يقال: "ستون سنة من إمام جائر أصلح من ليلة بلا سلطان" ولا شك أن دفع الضرر الأعظم واجب؛ فنصب الإمام واجب.
يقول فخر الدين الرازي مجيبًا إلى أن هذه الأضرار وأمثالها قد تحصل: لا نزاع أن هذه المحظورات فد تحصل، لكن كلّ عاقلٍ يعلم أنه إذا قوبلت المفاسد الحاصلة