الأمر الأول: أن هؤلاء مع اتفاقهم جميعًا على القول بوجوب نصب الإمام مطلقًا -أي في كل حال- سواء كانت حال أمن وعدم اضطراب وفتنة، أم حال اضطراب وفتنة، إلا أنهم اختلفوا في الطريق الذي أدى إلى الوجوب: هل هو الشرع أم العقل؟
فأهل السنة قالوا: إن الأدلة السمعية هي التي دلّت على وجوب نصب الإمام، ولا مدخل للعقل في ذلك، انطلاقا من المبدأ الذي يلتزمون به، وهو أن الأحكام إنما تؤخذ من الشرع؛ ولأن الإمام مقصود به القيام بأمور شرعية، كإقامة الحدود، واستيفاء الحقوق، وأما الزيدية، وأكثر المعتزلة، والاثنا عشريه، فقد قالوا: إن العقل هو الذي دلّ على وجوب نصب الإمام، ثم القائلون أن العقل هو الذي دل على وجوب نصب الإمام، ينقسمون من حيث توجه الوجوب: هل يتوجه إلى الناس أم يتوجه إلى الله -سبحانه وتعالى؟
الأمر الثاني: أن الجماهير أو جمهور الفقهاء الذين قالوا: "إن معرفة وجوب نصب الإمام ليس لها طريق إلا الشرع" هؤلاء الجمهور قد بينوا أن مرادهم بالوجوب هنا هو الوجوب الكفائي لا الوجوب العيني، بمعنى أنه يجب على الأمة أن تنصب إمامًا لحراسة الدين وسياسة الدنيا، وهذا الوجوب متوجِّه إلى جميع أهل الحل والعقد متوجِّه إلى جميع أهل الحل والعقد والصالحين لتولي هذا المنصب، فإذا ما قام بعض أهل الحل والعقد بهذا الواجب سقط الوجوب عن باقيهم، أما إذا لم يقم أحدٌ بهذا الواجب فإن أهل الحل والعقد جميعًا آثمون، وليس يأثم غيرهم من أهل الأمة الذين لا تتوافر فيهم صفات أهل الحل والعقد، فليس مراد الجماهير هنا بالوجوب الواجب العيني؛ لأنهم لم يقولوا بأنه يجب على كل فرد من أفراد الأمة أن يشترك في نصب الإمام؛ ولذلك قال القاضي أبو يعلى