وإذا كان هذا هو قصد الشارع الإسلامي في مجتمع المسلمين، فإن الأمة أفرادًا ودولةً مسئولة أمام الله عن تحقيق هذا القصد؛ إذ أن الدولة في الإسلام إنما تمثّل الأمة وتنوب عنها؛ فيجب عليها القيام بما أرشدت إليه الشريعة، من وجوب التراحم والتعاطف بين أبناء المجتمع، الذي يجب أن يكون كالجسد الواحد.

غير أنه تجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن الدولة وهي تكفل هذا الحق للأفراد، يجب دائمًا ألا تشجع على التسكع، أو البطالة، أو التسول، بل يجب عليها دائمًا أن توفّر فرص العمل للقادرين عليه؛ فذلك أفضل من إعاشتهم، وجعلهم عالةً على بيت المال إذا كانوا قادرين على العمل، ولكن إذا تعذّر على الفرد سدّ حاجاته بنفسه، بسبب من الشيخوخة، أو العجز، أو المرض؛ فإنه في هذه الحالة تجب إعانته والإنفاق عليه، سواء من أقاربه الذين تلزمهم نفقته شرعًا، أو من بيت مال المسلمين، ويجوز الإنفاق على الفقراء من مال الزكاة، فإذا لم يفِ كل ذلك بحاجات الفقراء، فقد نصّ بعض الفقهاء على أنه يجب على الأغنياء من أهل كل بلد أن يقوموا بفقرائهم، ويجبرهم السلطان على ذلك إن لم تقم الزكاة بهم، فيقام لهم بما يأكلون من القوت الذي لابد منه، ومن لباس للشتاء والصيف في مثل ذلك، وبمسكن يكنهم من المطر، والصيف، والشمس، وعيون المرض.

فمن كل ما تقدم يمكننا أن نرى: كيف أن الإسلام عمل على تمكين الأفراد من التمتع بحقهم الاجتماعي في كفالة الدولة لهم، ولاسيما في حالات العجز والعوز؛ وبذلك يسمو هذا الحق في النظام الإسلامي على ما هو مقرّر في القوانين الوضعية، من مجرد كفالة الدولة لحق العمل، الذي يشكل قمّة الحقوق الاجتماعية في فقه القانون الدستوري.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015