وخيانة الأمانة، والاتجار بمصالح الرعية وسيطرة الإحباط واليأس على النفوس، وقد يمهد هذا إلى أن يصبح المجتمع على حافة الانهيار، ويكون المجال مهيأ لحدوث الفتن واندلاع الاقتتال بين أبناء الدين والوطن الواحد.
لعل من أبرز مظاهر العدالة هو تطبيق العدل في علاقة الحاكم بالمحكوم، فهو من أقوى الدلائل على الالتزام بالعدالة، وإذا كانت الدولة تطبق ذلك، وتقره في سياستها، فلا شك أن من اليسير أن تستنتج أن هذه الدولة دولة عادلة في جوانب سياستها كلها؛ لأن الالتزام بجريان العدالة بين الإمام، وأحد أفراد الشعب دليل ناطق على جريانه في المستويات الدنيا على مستوى الدولة.
وقد كانت العدالة تحتل جانبا هاما من جوانب المنهج الإسلامي على المستويات العليا، والدنيا، وليس أدل على ذلك من تطبيق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذلك على نفسه، إذ يروى عنه: ((أنه خرج أثناء مرضه الذي توفى فيه، خرج بين الفضل بن عباس وعلي بن أبي طالب حتى جلس على المنبر، ثم قال: أيها الناس، من كنت جلدت له ظهرا، فهذا ظهري فليستقد منه -أي: فليقتص منه- ومن كنت شتمت له عرضا فهذا عرضي فليستقد منه، ومن أخذت له مالا فهذا مالي فليأخذ منه، ولا يخشى الشحناء من قبلي؛ فإنها ليست من شأني، ألا وإن أحبكم إلي من أخذ مني حقًّا إن كان له، أو حللني فلقيت ربي وأنا طيب النفس، ثم نزل فصلى الظهر، ثم رجع إلى المنبر، فعاد لمقالته الأولى)) إن تحليل هذا القول من النبي -صلى الله عليه وسلم- وبيان ما فيه من جوانب العدالة، يريك أن العدالة شاملة، وليست خاصة بجانب معين في علاقة الحاكم بأحد أفراد شعبه، فقد شملت العدالة النواحي الآتية: