بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس التاسع
(قواعد أخرى للنظام الإسلامي وهي العدالة، مسئولية الحكام، الحقوق والحريات، سلطة الأمة في الرقابة على الحكام)
1 - قواعد النظام السياسي في الإسلام (4)
العدالة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فقد تحدثنا في المحاضرة السابقة عن الشورى في الإسلام كقاعدة من قواعد النظام السياسي في الإسلام، وبينا مدى ارتباطها بنظرية سيادة الأمة، ومدى ارتباطها بمبدأ وجوب الانتخاب العام لكل الناس.
وبعد انتهائنا من الحديث عن الشورى، نتحدث عن قاعدة أخرى من قواعد النظام السياسي في الإسلام، وهي العدالة، والعدالة هي نظام كل شيء، فإذا أقيم أمر الدنيا بالعدل قامت، وإن لم يكن لصاحبها في الآخر من خلاق، ومتى لم تقم بالعدل لم تقم، وإن كان لصاحبها من الإيمان ما يجزى به في الآخرة؛ ولذلك كان تنبيه الله -سبحانه وتعالى- في قوله تعالى: {وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} (النساء: من الآية: 58) ورد هذا النص في مجال وجوب طاعة الله تعالى، وطاعة الرسول -صلوات الله وسلامه عليه- وأولي الأمر من ولاة وحكام المسلمين، فهو نص في الموضوع يتعين الالتزام به، وتمثله في كل أوجه الحكم والسياسة الإسلامية، بحيث لا يجوز التخلي عنه أو الإخلال به.
لذلك كان الحث عليه في آيات كثيرة منها قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ} (النحل: من الآية: 90) وقوله تعالى: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} (المائدة: من الآية: 8) فإن مقتضاها أن الحاكم مأمور أن يحكم بين الناس جميعا بالعدل سواء في ذلك القوي والضعيف والغني والفقير والمسلم، وغير المسلم والصديق والعدو، ونظرا لما له من أهمية في استقامة حياة الأمم والمجتمعات، وأنظمة الحكم والسياسة أيا كان نوعها، قيل: إن الله يقيم للدولة العادلة، وإن كانت كافرة، ولا يقيم الظالمة وإن كانت مسلمة، ويقال: الدنيا تدوم مع العدل والكفر، ولا تدوم مع الظلم والإسلام.
إذا فقهت ذلك أيقنت أن كثيرًا من المساوئ التي تحل بالدول ناتج عن آفة الظلم بما يؤدي إليه من ضياع الحقوق، وفقدان الثقة بين الحاكم والمحكوم، ومن تفشي مظاهر السلبية والأمراض الاجتماعية المقترنة بالسلطة الفاسدة، مثل الرشوة